للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويل قولِه تعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: هذه الآياتُ والحججُ يا محمدُ [من ربِّك] (١) على خلقه، ﴿نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ﴾. يقولُ: نُخْبِرُك عنها بالحقِّ، لا بالباطل كما يُخْبِرُ مشركو قومِك عن آلهتِهم بالباطل أنها تُقَرِّبُهم إلى اللهِ زُلْفَى، (فبأيِّ حديثٍ بعدَ اللَّهِ وَآيَاتِه تُؤْمِنون (٢) يقولُ تعالى ذكرُه للمشركين به: فبأيِّ حديثٍ أيُّها القومُ بعدَ حديثِ الله هذا الذي يَتْلوه عليكم، وبعد حُجَجه عليكم، وأدلته التي دلَّكم بها على وحدانيتِه، من أنه لا ربَّ لكم سواه - تُصَدِّقون، إن أنتم كذَّبتم بحديثه وآياته؟

وهذا التأويلُ على مذهب قراءَةِ من قرأ: (تُؤْمِنُونَ) على وجه الخطاب من الله بهذا الكلام للمشركين، وذلك قراءةُ عامة قرأة الكوفيين (٣). وأما على قراءة من قرَأه: ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ بالياء، فإن معناه: فبأيِّ حديثٍ يا محمدُ بعدَ حديثِ اللَّهِ الذي يَتْلوه عليك، وآياته هذه التي نبَّه هؤلاء المشركين عليها وذكَّرهم بها، يُؤْمِنُ هؤلاء المشركون؟ وهى قراءةُ عامة قرأة أهل المدينة والبصرة (٤). ولكلتا القراءتين وجهٌ صحيحٌ وتأويلٌ مفهومٌ، فبأية القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيبٌ عندنا، وإن كنتُ أَمِيلُ إلى قراءتِه، بالياءِ، إذ كانت في سياق آياتٍ قد مَضَين قبلها على وجه الخبر، وذلك قولُه: ﴿لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾، و: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.

القولُ في تأويل قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٨)﴾.


(١) في ص، ت ١، ت ٢: "ربك"، وفي ت ١: "لله".
(٢) في ص، ت ٢، ت ٣: "يؤمنون"، وهما قراءتان كما سيأتي.
(٣) هي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي وأبى بكر ورويس وخلف، النشر ٢/ ٢٧٨.
(٤) هي قراءة ابن كثير ونافع وحفص وأبي عمرو وأبي جعفر وروح. المصدر السابق.