للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثَباتِ الأممِ على تكذيبِهم إياهم، وهلاكِهم على ذلك، أو إنابتهم وتوبتهم منه بتوحيد اللهِ تعالى، وتصديقِ رسلهِ، والرجوع إلى طاعته.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : فأْتَسِ يا محمدُ في نفسِك وقومك المُكَذِّبيك والمشركين، بأبيك خليلي إبراهيمَ ، واصْبِر على ما يَنوبُك منهم صبرَه، فإني بالذي يَئُولُ إليه أمرُك وأمرُهم عالمٌ بالتدبيرِ فيك وفيهم حكيمٌ.

القولُ في تأويل قوله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: فَجَزَيْنا إبراهيم على طاعتِه إيانا وإخلاصِه توحيدَ ربِّه، ومُفارقتِه دينَ قومِه المشركين باللهِ، بأن رفَعْنا درجتَه في عِلِّيِّين، وآتَيْناه أجرَه في الدنيا، ووهَبْنا له أولادًا اخْتَصَصْناهم (١) بالنبوةِ، وذريةً شرَّفناهم منا بالكرامة، وفضَّلْناهم على العالَمين؛ منهم ابنُه إسحاق، وابنُ ابنهِ يعقوبُ، ﴿كُلًّا هَدَيْنَا﴾. يقولُ: هدَيْنا جميعهم لسبيل الرشادِ، فوفَّقناهم للحقِّ والصوابِ من الأديان، ﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ﴾. يقولُ: وهدَيْنا لمثل الذي هدَيْنا إبراهيمَ وإسحاق ويعقوب من الحقِّ والصواب، فوفَّقناه له، نوحًا مِن قَبْلِ إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ. ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ﴾ والهاءُ التي في قوله: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ﴾ مِن ذكرِ "نوحٍ". وذلك أن اللهَ تعالى ذكره ذكر في سياق الآياتِ التي تَتْلُو هذه الآيةَ لوطًا، فقال: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾. ومعلومٌ أن لوطًا لم يَكُنْ مِن ذريةِ إبراهيمَ صلَّى اللهُ عليهم أجمعين. فإذ


(١) في م: "خصصناهم".