للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾. واخْتَلَفَت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأَتْه عامةُ قرأةِ الحجازِ والبصرةِ: (نَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَن نَشاءُ). بإضافةِ الدرجاتِ إلى "مَن"، بمعنى: نَرْفَعُ الدرجاتِ لمَن نَشاءُ (١).

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفةِ: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾. بتنوينِ الدرجاتِ، بمعنى: نَرْفَعُ مَن نَشَاءُ دَرَجَاتٍ (٢). والدرجاتُ جمعُ دَرَجةٍ، وهي المرتبةُ، وأصلُ ذلك مَراقي السُّلَّمِ ودرجُه، ثم تُسْتَعْمَلُ في ارتفاعِ المنازلِ والمراتبِ.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندي أن يُقالَ: هما قراءتان قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما أئمةٌ مِن القرَأةِ، متقاربٌ معناهما. وذلك أن مَن رُفِعَت درجتُه فقد رُفِع في الدَّرَجِ، ومَن رُفِع في الدَّرَجِ فقد رُفِعَت درجتُه، فبأيتِهما قرَأ القارئُ فمُصيبٌ الصوابَ في ذلك.

فمعنى الكلامِ إذن: وتلك حُجَّتُنا آتيناها إبراهيمَ على قومِه، فرفَعْنا بها درجتَه عليهم، وشرَّفْناه بها عليهم في الدنيا والآخرةِ، فأما في الدنيا فآتَيْناه فيها أجره، وأما في الآخرةِ فهو مِن الصالحين. ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾. أي: بما فعَل (٣) مِن ذلك وغيرِه (٤).

وأما قولُه: ﴿إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾. فإنه يعني: إن ربَّك يا محمدُ حكيمٌ في سِياستِه خلقَه، وتَلْقينِه أنبياءَه الحججَ على أممِهم المُكَذِّبةِ لهم، الجاحدةِ توحيدَ ربِّهم، وفي غيرِ ذلك مِن تدبيرِه، عليمٌ بما يَئُولُ إليه أمرُ رسلِه والمُرْسلين إليه (٥)؛ مِن


(١) هي قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبي عمرو. السبعة لابن مجاهد ص ٢٦١.
(٢) وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي. المصدر السابق.
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "فعلت".
(٤) بعده في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "حكيم عليم".
(٥) في م: "إليهم".