للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما أُمِروا بالصلاةِ والزكاةِ والحجِّ والعمرةِ (١).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾.

وهذا خبرٌ من اللهِ جلَّ ثناؤُه عن جوابِ قومِ موسى لموسى (٢) ، إذ أمَرهم بدخولِ الأرضِ المقدَّسةِ، أنهم أَبَوْا عليه إجابةً إلى ما أمَرهم به من ذلك. واعتلُّوا عليه في ذلك بأن قالوا: إن في الأرضِ المقدسةِ التي تأمُرُنا بدخولِها قومًا جبَّارين، لا طاقةَ لنا بحربِهم، ولا قوةَ لنا بهم. وسمَّوهم جبَّارين لأنهم كانوا بشدةِ بطشِهم، وعظيمِ (٣) خَلْقِهم، فيما ذُكِر لنا، قد قهَروا سائرَ الأممِ غيرِهم.

وأصلُ الجبَّارِ المصلحُ أمرَ نفسِه و (٤) أمرَ غيرِه، ثم اسْتُعْمِل فِي كُلِّ مَنِ اجْتَرَّ نفعًا إلى نفسِه بحقٍّ أو باطلٍ، طلَبِ الإصلاحِ لها (٥)، حتى قيل للمتعدِّى إلى ما ليس له، بغيًا على الناسِ، وقهرًا لهم، وعتوًّا على ربِّه: جبَّارٌ. وإنما هو فعَّالٌ، من قولِهم: جبرَ فلانٌ هذا الكسرَ، إِذا أَصْلَحه ولأَمَه. ومنه قولُ الراجزِ (٦):

قد جَبَرَ الدِّينَ الإِلهُ فَجَبَرْ

وعوَّرَ الرحمنُ مَن ولَّى العَوَرْ (٧)

يريدُ: قد أَصْلَح الدينَ الإلهُ فصلَح. ومن أسماءِ اللهِ تعالى ذكرُه الجبَّارُ؛ لأنه المصلحُ أمرَ عبادِه، القاهرُ لهم بقدرتِه.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٧٠ إلى عبد بن حميد.
(٢) سقط من: م.
(٣) في ص: "عظم".
(٤) في ص: "أو".
(٥) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "بها".
(٦) هو العجاج، والبيتان في ديوانه ص ٤.
(٧) العَوَر: قبح الأمر وفساده. اللسان (ع و ر).