يقولُ تعالى ذكرُه: ولو شئتَ يا محمدُ أن يُؤْمِنَ الذين كانوا لأنبيائي أعداءً مِن شياطينِ الإنسِ والجنِّ فلا يَنالُهم مكروهُهم (١)، ويَأْمَنوا غَوائلَهم وأذاهم - فعلتُ ذلك، ولكني لم أَشَأْ ذلك؛ لأَبْتلِيَ بعضَهم ببعضٍ، فيَسْتَحِقَّ كلُّ فريقٍ منهم ما سبَق له في الكتابِ السابقِ، ﴿فَذَرْهُمْ﴾. يقولُ: فَدَعُهم، يعني الشياطينَ، الذين يُجادِلونك بالباطلِ مِن مشركي قومِك، ويُخاصمونك بما يُوحِي إليهم أولياؤُهم مِن شياطينِ الإنسِ والجنِّ، ﴿وَمَا يَفْتَرُونَ﴾. يعني: وما يَخْتَلِقون مِن إفْكٍ وزُورٍ.
يقولُ له ﷺ: اصْبِرْ عليهم؛ فإني مِن وراءِ عقابِهم على افترائِهم على اللهِ، واخْتلاقِهم عليه الكذبَ والزُّورَ.
يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ - ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: يُوحِي بعضُ هؤلاء الشياطينِ إلى بعضٍ المُزَيَّنَ مِن القولِ بالباطلِ، ليَغُرُّوا به المؤمنين مِن أتباعِ الأنبياءِ، فيَفتِنُوهم عن دينِهم، ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾. يقولُ: ولِتَميلَ إليه قلوبُ الذين لا يُؤمِنون بالآخرةِ.
وهو مِن صَغَوْتَ تَصْغَى وتَصْغُو - والتنزيلُ جاء بـ "تَصْغَى" - صَغْوًا وصُغُوًّا، وبعضُ العربِ يقولُ: صَغَيْتُ بالياءِ. حُكِي عن بعضِ بني أَسَدٍ: صَغِيتُ إلى حديثِه، فأنا أَصْغَى صُغِيًّا بالياءِ، وذلك إذا مِلْتَ، يقالُ: صَغْوِي معك. إذا كان هَواك معه ومَيْلُك، مثلُ قولِهم: ضِلَعِي معك. ويقالُ: أَصْغَيْتُ الإناءَ، إذا أَمَلْتَه؛