للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَبِّنَا﴾. يعني: مِن عندِ ربِّنا نزَل، إنا كنا مِن قبل نزول هذا القرآنِ مسلمين. وذلك أنهم كانوا مؤمنين بما جاءتْ به الأنبياءُ قبلَ مجيءِ نبيِّنا محمدٍ من الكتبِ، وفى كتبِهم صفةُ محمدٍ ونعتُه، فكانوا به وبمبعثِه وبكتابِه مصدِّقين قبلَ نزول القرآنِ، فلذلك قالوا: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: هؤلاء الذين وَصَفتُ صِفَتَهم، يُؤْتَوْن ثوابَ عملِهم مرتَيْن بما صَبَروا.

واختلَف أهلُ التأويلِ في معنى "الصبرِ" الذي وعد اللهُ [عليه ما وعَد] (١)؛ فقال بعضُهم: وعَدَهم ما وعَد جلَّ ثناؤُه بصبرِهم على الكتابِ الأوَّلِ، واتِّباعِهم محمدًا ، وصبرِهم على ذلك. وذلك قولُ قتادةَ، وقد ذكرْناه قَبْلُ.

وقال آخرون: بل وعَدهم بصبرِهم بإيمانهم بمحمد قَبْلَ أَن يُبْعَثَ، وباتِّباعهم إياه حينَ بُعِث. وذلك قولُ الضَّحَّاكِ بن مُزاحمٍ، وقد ذكرْناه أيضًا قبلُ، ومِمَّن وافق قتادةَ على قولِه عبدُ الرحمنِ بنُ زيدٍ.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ في قولِه: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾: على دينِ عيسى، فلمَّا جاء النبيُّ أسْلَموا، فكان لهم أجرُهم مرتَيْن؛ بما صبروا أوَّلَ مرةٍ، ودخَلوا مع النبيِّ في الإسلامِ (٢).

وقال قومٌ في ذلك بما حدَّثنا به ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: ﴿يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾. قال: إن قومًا كانوا مشركين


(١) في م: "ما وعد عليه".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٩/ ٢٩٩٢ من طريق أصبغ عن ابن زيد.