للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتأويلُ ذلك على قولِ السُّديِّ الذي ذَكرناه: واذْكروا يا معشرَ أهلِ الكتابِ إذْ أخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النبييَن، لما آتيتُكم أيها اليهودُ مِن كتابٍ وحكمةٍ. وهذا الذي قاله السُّديُّ، كان تأويلًا لا وجْهَ غيرُه (١) لو كان التنزيلُ: (بما آتيتُكم). ولكنَّ التنزيلَ باللَّامِ ﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾. وغيرُ جائزٍ في لغةِ أحدٍ مِن العربِ أن يقالَ: أَخَذ اللَّهُ ميثاقَ النبيينَ لما آتيتُكم. بمعنى: بما آتيتُكم.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا﴾.

يعنى بذلك جلّ ثناؤُه: وإذْ أَخَذ اللَّهُ ميثاقَ النبيينَ بما ذكَر، فقال لهم تعالى ذِكرُه: أأقرَرْتُم بالميثاقِ الذي واثَقْتُمونى عليه، مِن أنكم مَهمَا أتاكم رسولٌ مِن عندى مُصدِّقٌ لما معكم، لَتُؤْمِنُنَّ بِه ولَتَنْصُرُنَّهُ؟ ﴿وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾ يقولُ: وأخذْتُم على ما واثَقْتُمونِى عليه مِن الإيمانِ بالرسلِ التي تأتِيكم بتصديقِ ما معكم مِن عندِى، والقيامِ بنُصْرتِهم - ﴿إِصْرِي﴾. يعنى: عهدِى ووصيَّتِي، وقَبِلتُم في ذلك مِنِّي ورَضِيتُموه.

والأخْذُ هو القبولُ في هذا الموضعِ والرِّضا، مِن قولِهم: أخَذ الوالى عليه البيعةَ. بمعنى: بايعَه، وقَبلَ ولايتَه، ورَضِيَ بها.

وقد بيَّنا معنى "الإصرِ" باختلافِ المختلفينَ فيه، والصحيحَ مِن القولِ في ذلك، فيما مضَى قَبلُ، بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (٢).

وحُذفتِ الفاءُ من قولِه: ﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ﴾. لأنه ابتداءُ كلامٍ، على نحوِ ما قد بيَّنَّا في نظائرِه فيما مضَى (٣).


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "له".
(٢) ينظر ما تقدم في ص ١٥٨ - ١٦٣.
(٣) ينظر ما تقدم في ٢/ ٧٦.