للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا القولُ الثاني أظهرُ بمعنى الكلامِ، أن يكونَ المستورُ هو الحجابَ، فيكونُ معناه: أنَّ اللَّهَ ستَره عن أبصارِ الناس فلا تُدْرِكُه أبصارُهم. وإن كان للقولِ الأوّلِ وجهٌ مفهومٌ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (٤٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: وجعَلنا على قلوب هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرةِ عند قراءتِك عليهم القرآنَ أكنَّةً. وهى جمعُ كَنانٍ، وذلك ما يتغشَّاها من خِذْلانِ اللَّهِ إيَّاها (١) عن فَهمِ ما يُتْلَى عليهم، ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ يقولُ: وجَعَلنا في آذانِهم وقرًا عن سماعِه، وصممًا، والوَقرُ بالفتحِ، في الأذنِ: الثِّقَلُ، والوِقرُ بالكسرِ من الحِمْلِ.

وقولُه: ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ﴾. يقولُ: وإذا قلتَ: لا إلهَ إلا اللَّهُ في القرآنِ وأنت تتلوه، ﴿وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾. يقولُ: انفضُّوا، فذهَبوا عنك نفورًا من قولِك ذلك، استكبارًا له واستعظامًا من أن تُوحِّدَ اللَّهَ تعالى ذكرُه.

وبما قلنا في ذلك قال بعضُ أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا﴾. وإن المسلمين لما قالوا: لا إلهَ إلا اللَّهُ. أنكَر ذلك المشركون وكبُرت عليهم، فضاقَها إبليسُ وجنودُه، فأبَى اللَّهُ إلا أن يُمضِيَها ويَنْصُرَها ويُفْلِجَها


(١) في م: "إياهم".