وقال آخرون: بل دخَلها مُستَخْفِيًا من فرعونَ وقومِه؛ لأنَّه كان قد خالَفهم في دينِهم، وعاب ما كانوا عليه.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لمَّا بلَغ موسى أشُدَّه واسْتَوى، آتاه اللَّهُ حُكْمًا وعلمًا، فكانت له من بني إسرائيلَ شيعةٌ يسمَعون منه ويطيعونه، ويجتمِعون إليه، فلما اسْتَدَّ رأْيُه، وعرَف ما هو عليه من الحقِّ، رأى فِراقَ فرعونَ وقومِه على ما هم عليه حقًّا في دينِه، فتَكَلَّم وعادَى وأنكَر، حتى ذُكرَ ذلك منه، وحتى أخافُوه وخَافَهم، حتى كان لا يدخُلُ قريةَ فرعونَ إِلا خائفًا مُستَخْفيًا، فدخَلَها يومًا على حينِ غفلةٍ من أهلِها (١).
وقال آخرون: بل كان فرعونُ قد أمَر بإخراجِه من مدينتِه، حينَ عَلَاه بالعصا، فلم يدخُلْها إلا بعدَ أن كَبِر وبلَغ أَشُدَّه. قالوا: ومعنى الكلامِ: ودخَل المدينةَ على حينَ غفلةٍ من أهلِها لذكرِ موسى. . أي. أي: من بعدِ نِسْيانِهم خبرَه وأمرَه.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾. قال: ليس غفلةٌ من ساعةٍ، ولكن غفلةٌ مِن ذكرِ موسى وأمْرِه. وقال فرعونُ لامرأتِه: أخْرِجيه عنِّى - حينَ ضرَب رأسَه بالعصا - هذا الذي قُتِلتْ فيه بنو إسرائيلَ. فقالت: هو صغيرٌ، وهو كذا، هاتِ جمرًا. فأُتىَ بجمرٍ، فأخَذ جمرةً، فطرَحها في فِيهِ، فصارت عُقْدةً في لسانِه، فكانت تلك العقدةَ
(١) ذكره البغوي في تفسيره ٦/ ١٩٦، وينظر تفسير القرطبي ١٣/ ٢٦٠.