للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان بعضُ أهلِ المعرفةِ [والعلمِ] (١) بكلامِ العربِ مِن أهلِ البصرةِ (٢) يُوَجِّهُ قولَه: ﴿مُسْتَمِرٌّ﴾. إلى أنه مُسْتَفْعِلٌ من الإمرارِ (٣)، من قولِهم: قد مرَّ الحبلُ. إذا قَوِي وصَلُب واشْتَدَّ، وأمْرَرْتُه أنا. إذا فَتَلْتَه فَتْلًا شديدًا. ويقولُ: ومعنى قولِه: ﴿وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾: سحرٌ شديدٌ.

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (٥)﴾.

قال أبو جعفرٍ : يقولُ تعالى ذكرُه: وكذَّب هؤلاء المشركون مِن قريشٍ بآياتِ اللَّهِ من بعدِ ما أتَتْهم حقيقتُها، وعايَنوا الدلالةَ على صحتِها [برؤيتِهم القمرَ مُنْفَلِقًا فِلْقتين] (٤)، ﴿وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾. يقولُ: وآثَروا اتِّباعَ ما دَعَتْهم إليه أهواءُ أنفسِهم، مِن تكذيبِ ذلك، على التصديقِ [بما قد] (٥) أيْقَنوا صحتَه مِن نبوةِ محمدٍ وحقيقةِ ما جاءَهم به مِن ربِّهم.

وقولُه: ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وكلُّ أمرٍ مِن خيرٍ أو شرٍّ مُستَقِرٌّ قرارُه ومُتَناهٍ نهايتُه؛ فالخيرُ (٦) مستقرٌّ بأهلِه في الجنةِ، والشرُّ مستقرٌّ بأهلِه في النارِ.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَكُلُّ


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) هو الأخفش كما في تفسير القرطبي ١٧/ ١٢٧.
(٣) في الأصل: "الأمر أو".
(٤) في الأصل: "منهم متفلقًا فلقين".
(٥) في الأصل: "لما".
(٦) في الأصل: "في الخير".