للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولُه تعالى ذكرُه: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ الآية.

فإذ كان تأويلُ ذلك كذلك، فلا وجهَ لدعْوَى مُدَّعٍ أن هذه الآيةَ منسوخةٌ؛ لأنه غيرُ جائزٍ أن يُقضَى على حكمٍ من أحكامِ اللهِ تعالى ذكرُه أنه منسوخٌ، إلا بخبرٍ يَقْطَعُ العذرَ؛ إما مِن عندِ اللهِ، أو مِن عندِ رسولِه ، أو بورودِ النقلِ المستفيضِ بذلك، فأما ولا خبرَ بذلك، ولا يَدْفَعُ صحتَه عقلٌ، فغيرُ جائزٍ أن يُقْضَى عليه بأنه منسوخٌ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١٠٩)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: واتَّقوا الله أيُّها الناسُ، واسْمَعُوا وَعْظَه إياكم، وتذكيرَه لكم، واحْذَروا يومَ يَجْمَعُ اللهُ الرسلَ. ثم حذَف "واحْذَروا"، واكْتَفى بقولِه: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا﴾ مِن (١) إظهارِه، كما قال الراجزُ (٢):

علَفْتُها تِبْنًا وماءً باردًا … حتى شَتَتْ (٣) هَمَّالَةً عَيْناها

يُريدُ: وسقَيْتُها ماءً باردًا. فاسْتُغْنِى بقولِه: علَفْتُها تِبْنًا. مِن إظهارِ "سقَيْتُها"، إذ كان السامعُ إذا سمِعه عرَف معناه، فكذلك في قولِه: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ﴾. حذَف "واحْذَرُوا"؛ لعلمِ السامعِ معناه، اكْتِفاءً بقولِه: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا﴾. إذ كان ذلك تَحْذيرًا مِن أمرِ اللهِ تعالى ذكرُه خلقَه عقابَه على مَعاصِيه.

وأما قولُه: ﴿مَاذَا أُجِبْتُمْ﴾. فإنه يعنى به: ما الذي أجابَتْكم به أممُكم حينَ


(١) في م: "عن".
(٢) تقدم تخريجه في ١/ ٢٧١.
(٣) في م: "غدت".