للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: واللهُ الذي أصابك بذلك فهو على كلِّ شيء قديرٌ، هو القادرُ على نفعِك وضرِّك، وهو على كلِّ شيءٍ يُريدُه قادرٌ، لا يُعْجِزُه شيءٌ يُرِيدُه، ولا يَمتَنِعُ منه شيءٌ (١) طلَبَه، ليس كالآلهةِ الذَّليلةِ المَهِينةِ التي لا تَقْدِرُ على اجتلابِ نفعٍ على أنفسِها ولا غيرِها، ولا دفعِ ضُرٍّ عنها ولا غيرها. يقولُ تعالى ذكرُه: فكيف تَعْبُدُ مَن كان هكذا؟ أم كيف لا تُخْلِصُ العبادةَ، وتُقِرُّ لمن كان بيدِه الضرُّ والنفعُ، والثوابُ والعقابُ، وله القدرةُ الكاملةُ، والعزةُ الظاهرةُ؟

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨)﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿وَهُوَ﴾: نفسَه. يقولُ: واللهُ القاهِرُ (٢) فوقَ عبادِه. ويعنى بقولِه: ﴿الْقَاهِرُ﴾: المذلِّلَ المُسْتَعْبِدَ خلقَه، العاليَ عليهم. وإنما قال: ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾. لأنه وصَف نفسَه تعالى بقهرِه إياهم، ومن صفةِ كلِّ قاهرٍ شيئًا أن يَكونَ مُسْتَعْلِيًا عليه.

فمعنى الكلامِ إذن: واللهُ الغالبُ عبادَه، المذلِّلُهم، العالي عليهم بتذليلِه لهم، وخلقِه إياهم، فهو فوقَهم بقهرِه إياهم، وهم دونَه.

﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ﴾. يقولُ: واللهُ الحكيمُ في علوِّه على عبادِه، وقهرِه إياهم بقدرتِه، وفى سائرِ تدبيرِه، ﴿الْخَبِيرُ﴾ بمصالحِ الأشياءِ ومضارِّها، الذي لا يَخْفَى عليه عواقبُ الأمورِ وبَوادِيها، ولا يَقَعُ في تدبيرِه خَلَلٌ، ولا يَدْخُلُ حكمَه دَخَلٌ (٣).

القولُ في تأويلِ قولِه عز ذكرُه: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي


(١) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الظاهر".
(٣) الدخَل: الفساد. اللسان (د خ ل).