للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: وأُخرى أنها في قراءةِ أبيِّ ابنِ كعبٍ وعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ: (اهبِطوا مصرَ). بغيرِ ألفٍ. قالوا: ففى ذلك الدَّلالةُ البينةُ على أنها مصرُ بعينِها.

والذى نقولُ به في ذلك أنه لا دَلالةَ في كتابِ اللهِ جلَّ ثناؤُه على الصوابِ مِن هذين التأويلَيْن، ولا خبرَ به عن الرسولِ يَقْطَعُ مجيئُه العذرَ، وأهلُ التأويلِ مُتَنازِعون تأويلَه.

فأولى الأقوالِ في ذلك عندَنا بالصوابِ (١) أن يُقالَ: إن موسى سأَل ربَّه أن يُعْطِىَ قومَه ما سأَلوه مِن نباتِ الأرضِ -على ما بيَّنه اللهُ جلَّ ثناؤُه في كتابِه- وهم في الأرضِ تائِهون، فاسْتَجاب اللهُ لموسى دعاءَه، وأمَره أن يَهْبِطَ بمَن معه مِن قومِه قَرارًا مِن الأرضِ التى تُنْبِتُ (٢) ما سأَل لهم مِن ذلك، إذ كان ما (٣) سأَلوه لا يُنْبِتُه إلَّا القُرَى والأمصارُ، فإنَّه (٤) قد أعْطاهم ذلك إذا (٥) صاروا إليه. وجائزٌ أن يَكونَ ذلك القَرارُ مصرَ، وجائزٌ أن يكونَ الشامَ.

فأما القراءةُ فإنها بالألفِ والتنوينِ: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾. وهى القراءةُ التى لا يَجوزُ عندى غيرُها؛ لإجماعِ خُطوطِ مصاحفِ المسلمين، واتفاقِ قراءةِ القَرأَةِ على ذلك، ولم يَقْرَأْ بتركِ التنوينِ فيه وإسقاطِ الألفِ منه إلا مَن لا يَجوزُ الاعْتِراضُ به على الحُجَّةِ فيما جاءَت به مِن القراءةِ مُسْتَفِيضًا فيها (٦).

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾.


(١) في ر، م: "والصواب".
(٢) بعده في ر، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "لهم".
(٣) في ر، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الذى".
(٤) في ر، م: "وأنه".
(٥) في ر، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "إذ".
(٦) في ر: "بينها"، وكتب فوقها: "فيها"، وأشار إلى نسخة، وفى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بينها". وإلى هنا ينتهى الجزء الموجود عندنا من النسخة "ر" وهو نهاية المجلد الأول منها.