للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكتابِ الذين أقرُّوا بحُكْمِ التوراةِ، ثم كَذَّبوا بخلافِهم إياه، ثم أقرَّ مِن أقرَّ منهم بعيسى والإنجيلِ، ثم كَذَّب به بخلافِه إياه، ثم كَذَّب بمحمدٍ والفُرْقانِ، فازادادَ بتَكْذيبِه به كفرًا على كفرِه.

وإنما قلنا: ذلك أوْلى بالصوابِ في تأويلِ هذه الآيةِ؛ لأن الآيةَ قبلَها في قصصِ أهلِ الكتابَين - أعنِى قولَه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ - ولا دَلالةَ تدلُّ على أن قولَه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ مُنْقِطعٌ معناه مِن معنى ما قِبَلَه، فإلحاقُه بما قبلَه أوْلى، حتى تأتىَ دَلالةٌ دالَّةٌ على انقطاعِه منه.

وأما قولُه: ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ﴾. فإنه يعنى: لم يكُنِ اللَّهُ لِيَسْتُرَ عليهم كفرَهم وذنوبَهم، بعفوه عن العقوبةِ لهم عليه، ولكنه يَفْضَحُهم على رءوسِ الأشهادِ. ﴿وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا﴾. يقولُ: ولم يَكُنْ لِيُسَدِّدَهم لإصابةِ طريقِ الحقِّ فيُوَفِّقَهم لها، ولكنه يَخْذُلْهم (١) عنها؛ عقوبةً لهم على عظيمِ جُرْمهم وجُرْأَتِهم على ربهم.

وقد ذهَب قومٌ إلى أن المرتدَّ يُسْتَتاب ثلاثًا، انتزاعًا منهم بهذه الآيةِ، وخالَفهم على ذلك آخرون.

ذكرُ مَن قال: يستتاب ثلاثًا

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا حَفْصٌ، عن أشْعَثَ، عن الشَّعْبيِّ، عن عليٍّ، قال: إن كنتُ لمُسْتَتيبًا المرتدَّ ثلاثًا. ثم قرَأ هذه الآيةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ (٢).


(١) في الأصل: "عدلهم".
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة ١٠/ ١٣٨، ١٢/ ٢٧٤ (٩٠٣٥، ١٢٨٠٤)، ومن طريقه البيهقي ٨/ ٢٠٨ عن حفص بن غياث به.