للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبدِ الرحمنِ، عن أبيه، عن عمرِو بنِ قيسٍ المُلَائيِّ، عن رجلٍ مِن بنى أُميةَ مِن أهلِ الشامِ، أحْسَن عليه الثناءَ، قال: قيل: يا رسولَ اللهِ، ما العَدْلُ؟ قال: "العَدْلُ الفِدْيَةُ" (١).

قال أبو جعفر: وإنما قيل للفِدْيةِ مِن الشئِ والبَدَلِ منه: عَدْلُه؛ لمُعادَلتِه إياه وهو مِن غيرِ جنسِه، ومَصِيرِه له مثلًا مِن وَجهِ الجَزاءِ، لا مِن وجهِ المُشابَهةِ في الصورةِ والخِلْقةِ، كما قال تعالى ذكره: ﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا﴾ [الأنعام: ٧٠]. بمعنى: وإن تَفْدِ كلَّ فِدْيةٍ لا يُؤْخَذْ منها. يقالُ منه: هذا عَدْلُه وعَدِيلُه. وأما العِدْلُ -بكسرِ العينِ- فهو مِثْلُ الحِمْلِ المَحْمولِ على الظهرِ، يقالُ مِن ذلك: عندى غلامٌ عِدْلُ غُلامِك، وشاةٌ عِدْلُ شاتِك. بكسرِ العينِ، إذا كان غلامًا يَعْدِلُ غلامًا، وشاةً تَعْدِلُ شاةً، وكذلك ذلك في كلِّ مثْلٍ للشيءِ مِن جنسِه، فإذا أُريد أن عندَه قيمتَه مِن غيرِ جنسِه نُصِبَت العينُ، فقيل: عندى عَدْلُ شاتِك مِن الدراهمِ. وقد ذُكِر عن بعضِ العربِ أنه يَكْسِرُ العينَ مِن العَدْلِ الذى هو بمعنى الفِديةِ [والمعادلةِ] (٢) ما عادلَتْه مِن جهةِ الجَزاءِ؛ وذلك لتَقارُبِ معنى العَدْلِ والعِدْلِ عندَهم. وأما واحدُ الأعْدالِ فلم يُسْمَعْ فيه إلَّا عِدْلٌ بكسرِ العينِ.

القولُ في تأويلِ قولِه جل وعز: ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)﴾.

وتأويلُ قولِه : ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾. يعنى: إنهم يومَئذٍ لا يَنْصُرُهم ناصرٌ، كما لا يَشْفَعُ لهم شافعٌ، ولا يُقْبَلُ منهم عَدْلٌ ولا فِديةٌ، بَطَلَت هنالك المُحاباةُ، واضْمَحَلَّت الرِّشَا والشَّفاعاتُ، وارْتَفَع مِن القومِ التعاوُنُ


(١) إسناده ضعيف؛ عمرو بن قيس من أتباع التابعين، وشيخه مجهول. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٦٨ إلى المصنّف. وينظر تفسير ابن كثير ١/ ١٢٧.
(٢) في ر، م، ت ٢: "لمعادلة"، وفى ت ١، ت ٣: "المعادلة".