للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكما قال طَرفةُ بنُ العبدِ (١):

ألا إِنَّنِى سُقِّيتُ أسودَ حالِكًا … ألا بَجَلِى (٢) مِن الشّرَابِ ألا بَجَلْ

يعني بذلك: سُقِيتُ سَمًّا أسودَ. فاكْتَفى بذكرِ "أسودَ" من ذِكْرِ "السمِّ" لمعرفةِ السامعِ معنى ما أراد بقولِه: سُقِيتُ أسودَ. ويُرْوَى:

ألا إِنَّنى سُقِّيتُ أسْوَدَ سالخًا (٣)

وقد تقولُ العربُ: إذا سرَّك أن تَنْظُرَ إلى السخاءِ فانْظُر إلى هَرمٍ أو إلى حاتمٍ. فتَجْتَزِئُ بذِكرِ الاسمِ مِن ذكرِ فعلِه، إذا كان معروفًا بشجاعةٍ أو سخاءٍ، أو ما أشْبَهَ ذلك مِن الصفاتِ، ومنه قولُ الشاعر (٤):

يَقُولون جاهِدْ يا جَمِيلُ بِغَزْوَةٍ … وإن جِهادًا طَيِّئٌ وَقِتالُهَا

القولُ فى تأويلِ قولِه تعالى: ﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣)﴾.

يَعْنى بذلك جل ثناؤُه: قل يا محمدُ ليهودِ بنى إسرائيلَ: بئس الشئُ يَأْمرُكم به إيمانُكم، إذ كان يأمرُكم بقتلِ أنبياءِ اللهِ ورسلِه، والتكذيبِ بكُتُبِه، وجُحودِ ما جاء مِن عندِه. ومعنى إيمانِهم: تَصْديقُهم الذى زعَموا أنهم به مصدِّقون مِن كتابِ اللهِ، إذ قِيلَ لهم: آمِنوا بما أنزَل اللهُ. فقالوا: نُؤمنُ بما أُنزِلَ علينا.

وقولُه: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي: إن كُنتُم مُصدِّقين -كما زعَمتم- بما


(١) ديوانه ص ١١٥.
(٢) بجلى: حسبى. التاج (ب ج ل).
(٣) السالخ: الأسود من الحيات شديد السواد وأقتل ما يكون من الحيات. اللسان (س ل خ).
(٤) معاني القرآن للفراء ١/ ٦٢، ومجالس ثعلب ١/ ٧٦، واللسان (غ ز ى).