للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾.

يَعني تعالى ذكرُه بذلك: والنساءُ اللواتي بِنَّ من أزواجِهنَّ - ولهنّ أولادٌ قد وَلَدْنَهم مِن أزواجِهنَّ قبلَ بَيْنُونَتِهنَّ منهم بطلاقٍ، أو وَلَدْنَهم (١) منهم بعدَ فِراقِهم إيّاهن مِن وطءٍ كان منهم لهن قبلَ البينونةِ - ﴿يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾. يَعني بذلك أنهنَّ أحقُّ برَضاعِهم من غيرِهنَّ. وليس ذلك بإيجابٍ من اللّهِ تعالى ذكرُه عليهن رَضاعَهم، إذا كان المولودُ له ولدٌ (٢)، حيًّا مُوسِرًا؛ لأن اللَّهَ تعالى ذكرُه قال في سورةِ "النساءِ القُصْرَى" (٣): ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ [الطلاق: ٦]. وأخبرَ تعالى ذكرُه أن الوالدةَ والولودَ له إن تعاسرَا في الأُجْرةِ التي تُرضِعُ بها المرأةُ ولدَها، أن أُخرى سواها تُرضِعُه، فلم يُوجِبْ عليها فرضًا رَضاعَ ولدِها، فكان معلومًا بذلك أن قولَه: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ﴾ دَلالةٌ على مبلغِ غايةِ الرِّضاعِ التي متى اختلَف الوالدان في رَضاعِ المولودِ بعدَه (٤)، جُعِل حدًّا يُفْصَلُ به بينهما، لا دلالةً على أن فرضًا على الوالداتِ رَضاعُ أولادِهنَّ.

وأما قولُه: ﴿حَوْلَيْنِ﴾. فإنه يعنى به سنتَيْن.

كما حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبى نَجيحٍ، عن مجاهدٍ: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾: سنتَيْن (٥).

حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن


(١) في م: "أولدنهم".
(٢) في النسخ: "والدا". والمثبت ما يقتضيه السياق.
(٣) يعني سورة الطلاق.
(٤) في م: "بعدها".
(٥) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٢٨٧ إلى المصنف ووكيع وسفيان وعبد الرزاق وآدم وعبد بن حميد وأبي داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي.