للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"يكون" بفعلٍ، وتَجْعَلُها (١) مُسْتَغْنِيةً بالاسمِ، كما يقالُ: قام القومُ إلا أخاك وإلا أخوك. فلا تَعْتدُّ الاسمَ الذى بعدَ حرفِ الاستثناءِ نفلًا.

والصوابُ مِن القراءةِ فى ذلك عندى: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ﴾ بالياءِ، ﴿مَيْتَةً﴾ بتخفيفِ الياءِ ونصبِ "الميتةِ"؛ لأن الذى فى ﴿يَكُونَ﴾ مِن المَكْنِىِّ مِن ذكرِ المذَكَّرِ، وإنما هو: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ﴾ ذلك ﴿مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾.

فأما قراءةُ (ميتةٌ) بالرفعِ، فإنه وإن كان فى العربيةِ غيرَ خطأٍ، فإنه فى القراءةِ فى هذا الموضعِ غيرُ صوابٍ (٢)؛ لأن اللهَ يقولُ: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾، فلا خلافَ بينَ الجميعِ فى قراءةِ "الدمِ" بالنصبِ، وكذلك هو فى مصاحفِ المسلمين، وهو عطفٌ على "الميتةِ"، فإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أن "الميتةَ" لو كانت مرفوعةً لَكان "الدمُ" وقولُه: ﴿أَوْ فِسْقًا﴾ مرفوعَيْن. ولكنَّها منصوبةٌ، فيُعْطَفُ بهما عليها (٣) بالنصبِ.

القولُ فى تأويلِ قولِه: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥)﴾.

وقد ذكَرْنا اختلافَ أهلِ التأويلِ فى تأويلِ قولِه: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ﴾ والصوابَ مِن القولِ فيه عندَنا فيما مضَى مِن كتابِنا هذا فى سورةِ "البقرةِ"، بما أغْنَى عن إعادتِه فى هذا الموضعِ (٤)، وأن معناه: فمَن اضْطُرَّ إلى أكلِ ما حرَّمَ اللهُ


(١) فى ص، س، ف: "لتجعلها".
(٢) القراءة برفع "الميتة" متواترة، فلا تدفع صحتها.
(٣) فى س، ف: "عليه".
(٤) ينظر ما تقدم فى ٣/ ٥٨ وما بعدها.