للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بى وأنتم كاذِبون لِيُصَدِّقَكم الناسُ، وتُصْلِحون بينَهم، فذلك قولُه: ﴿أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا﴾ الآية (١).

وأما قولُه: ﴿وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ﴾. فهو الإصلاحُ بينَهم بالمعروفِ فيما لا مَأْثَمَ فيه، وفيما يُحِبُّه اللهُ دونَ ما يَكْرَهُه.

وأما الذى ذكَرْنا عن السُّدىِّ مِن أنَّ هده الآيةَ نزَلَت قبلَ نزولِ كفَّاراتِ الأيْمانِ، فقولٌ لا دَلالةَ عليه مِن كتابٍ ولا سنةٍ، والخبرُ عما كان لا تُدْرَكُ صحتُه إلا بخبرٍ صادقٍ، وإلا كان دعْوَى لا يَتَعَذَّرُ مثلُها وخلافُها على أحدٍ، وغيرُ مُحالٍ أن تكونَ هذه الآيةُ نزَلَت بعدَ بيانِ كفاراتِ الأيْمانِ فى سورةِ "المائدةِ"، واكْتُفِى بذكرِها هناك عن إعادتِها ههنا، إذ كان المُخاطَبون بهذه الآيةِ قد علِموا الواجبَ مِن الكفاراتِ فى الأيْمانِ التى يَحْنَثُ فيها الحالفُ.

القولُ فى تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤)﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بذلك: واللهُ سميعٌ لما يَقولُه الحالفُ منكم باللهِ إذا حلَف، فقال: واللهِ لا أَبَرُّ، ولا أَتَّقِى، ولا أُصْلِحُ بيَن الناسِ. ولغيرِ ذلك مِن قِيلِكم وأيْمانِكم، عليمٌ بما تَقْصِدون وتَبتَغون بحَلِفِكم ذلك، الخيرَ تُريدون أم غيرَه؛ لأنى عَلَّامُ الغُيوبِ وما تُضْمِرُه الصُّدورُ، لا تَخْفَى علىَّ خافيةٌ (٢)، ولا يَنْكَتِمُ عنى أمرٌ عَلَن فظهَر، أو خَفِى فبطَن.

وهذا مِن اللهِ تعالى ذكرُه تَهَدُّدٌ ووَعيدٌ. يقولُ تعالى ذكرُه: واتَّقُونِ أيُّها الناسُ أن تُظْهِروا بألسنتِكم مِن القولِ، أو بأبدانِكم مِن الفعلِ، ما نهَيْتُكم عنه، أو تُضْمِروا


(١) تقدم تخريجه ص ٨.
(٢) بعده فى ص: "عليه خافية".