للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس، فلْيَحْنَثْ فى يمينِه، ولْيَبَرَّ، ولْيَتَّقِ اللهَ، ولْيُصْلِحْ بينَ الناسِ، ولْيُكَفِّرْ عن يمينِه. وترَك ذكر "لا" مِن الكلامِ؛ لدَلالةِ الكلامِ عليها، واكْتِفاءً بما ذكَر عما ترَك، كما قال امرؤُ القيسِ (١):

فقلتُ يمينَ اللهِ أَبْرَحُ قاعدًا … ولو قَطَّعوا رأْسى لَدَيْكِ وأوْصالى

بمعنى: فقلتُ: يمينَ اللهِ لا أَبْرَحُ. فحذَف "لا" اكْتِفاءً بدَلالةِ الكلامِ عليها.

وأما قولُه: ﴿أَنْ تَبَرُّوا﴾. فإنه اخْتُلِف فى تأويلِ البِرِّ الذى عناه اللهُ تعالى ذكرُه، فقال بعضُهم: هو فعلُ الخيرِ كلِّه. وقال آخَرون: هو البِرُّ بذى رحمِه. وقد ذكَرْتُ قائلى ذلك فيما مضَى.

وأولى ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: عنَى به فعلَ الخيرِ كلِّه. وذلك أن أفعالَ الخيرِ كلَّها مِن البرِّ، ولم يَخْصُصِ اللهُ فى قولِه: ﴿أَنْ تَبَرُّوا﴾ معنًى دونَ معنًى مِن معانى البِرِّ، فهو على عمومِه، والبِرُّ بذَوِى القَرابةِ أحدُ معانى البِرِّ.

وأما قولُه: ﴿وَتَتَّقُوا﴾ فإن معناه: أن تَتَّقوا ربَّكم، فتَحْذَروه وتَحْذَروا عِقابَه فى فرائضِه وحُدودِه أن تُضَيِّعوها أو تَتَعَدَّوْها.

وقد ذكَرْنا تأويلَ مَن تأوَّل ذلك أنه بمعنى التَّقْوَى قبلُ.

وقال آخَرون فى تأويلِه بما حدَّثنى به محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ فى قولِه: ﴿أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا﴾. قال: كان الرجلُ يَحْلِفُ على الشئِ مِن البِرِّ والتَّقْوَى لا يَفْعَلُه، فنهَى اللهُ ﷿ عن ذلك، فقال: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ﴾ الآية. قال: ويقالُ: لا يَتَّقِ بعضُكم بعضًا بى، تَحْلِفون


(١) ديوانه ص ٣٢.