للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سائرِ الأنبياءِ قبلَه وأتباعِهم؟

قيل: إن كلَّ مَن كان قبلَ إبراهيمَ من الأنبياءِ كان حنيفًا مُتَّبِعًا طاعةَ اللهِ، ولكنَّ اللهَ تعالى ذكرُه لم يَجعلْ أحدًا منهم إمامًا لمن بعدَه من عِبادِه إلى قيامِ الساعةِ، كالذى فعَل مِن ذلك بإبراهيمَ، فجعَله إمامًا فيما بَيَّنه من مناسكِ الحجِّ والخِتانِ، وغيرِ ذلك من شرائعِ الإِسلامِ - يُقتدَى (١) به أبدًا إلى قيامِ الساعةِ، وجعَل ما سنَّ من ذلك عَلَمًا مُمَيَّزًا بين مؤمِنى عبادِه وكفارِهم، والمطيعِ منهم له والعاصى، فسُمِّىَ الحنيفُ من الناسِ حنيفًا باتِّباعِه مِلَّتَه واستقامتِه على هَدْيِه ومِنهاجِه، وسُمِّى الضّالُّ عن ملَّتِه بسائرِ أسماءِ المللِ، فقيل: يهودىٌّ ونصرانىٌّ ومَجوسىٌّ، وغيرُ ذلك من صنوفِ المللِ.

وأما قولُه: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾. فإنَّه يقولُ: إنه لم يكنْ ممن يَدِينُ بعبادةِ الأوثانِ والأصنامِ، ولا كان من اليهودِ ولا من النصارَى، بل كان حنيفًا مسلمًا.

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦)﴾.

يعنى بذلك جلَّ ثناؤه: قولوا أيُّها المؤمنون لهؤلاء اليهودِ والنصارَى الذين قالوا لكم: كونوا هُودًا أو نصارَى تَهتدُوا -: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾. أي: صدَّقْنا.

وقد دلَّلْنا فيما مضَى على أن معنى الإيمانِ التصديقُ، بما أَغنى عن إعادتِه (٢).

﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ يقولُ: وصدَّقْنا أيضًا بالكتابِ الذي أَنزَل اللهُ إلى نبيِّنا محمدٍ . فأضاف الخطابَ بالتنزيلِ إليهم، إذ كانوا مُتَّبِعيه ومأمورِين مَنْهِيِّين به، فكان وإن كان تنزيلًا إلى رسولِ اللهِ بمعنى التنزيلِ إليهم لِلذى لهم فيه من


(١) في م: "تعبدا".
(٢) ينظر ما تقدم في ١/ ٢٤٠، ٢٤١.