للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما حدَّثني محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسْباطُ، عن السُّدِّيِّ: ثم إن بني إسرائيلَ حصَروا عيسى وتسعةَ عشَرَ رجلًا من الحَوارِيِّين في بيتٍ، فقال عيسى لأصحابِه: مَن يَأْخُذُ صُورتي فيُقْتَلَ وله الجنةُ؟ فأخَذها رجلٌ منهم، وصُعِد بعيسى إلى السماءِ، فذلك قولُه: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾. فلمَّا خرَج الحَوَارِيُّون أبْصَروهم تسعةَ عشرَ، فأخْبَروهم أن عيسى قد صُعِد به إلى السماءِ، فجعَلوا يَعُدُّون القومَ، فيَجِدُونهم يَنْقُصون رجلًا مِن العِدَّةِ، ويَرَوْن صورة عيسى فيهم، فشكُّوا فيه، وعلى ذلك قتَلوا الرجلَ، وهم يُرَوْنَ أنه عيسى، وصلَبوه، فذلك قول الله ﷿: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧].

وقد يَحْتَمِلُ أن يكونَ معْنى مَكْرِ اللهِ بهم اسْتِدْراجَه إياهم؛ ليَبْلُغَ الكتابُ أجلَه، كما قد بيَّنا ذلك في قولِ اللهِ: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ (١) [البقرة: ١٥].

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾.

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: ومكَر اللهُ بالقومِ الذين حاوَلوا قتلَ عيسى مع كفرِهم باللهِ، وتكذيبِهم عيسى فيما أتاهم به مِن عندِ ربِّهم، إذ قال اللهُ جل ثناؤُه: إنى مُتَوَفِّيك. فهو ﴿إِذْ﴾ صلةٌ مِن قولِه: ﴿وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ يعنى: ومكَر اللهُ بهم حينَ قال اللهُ لعيسى: إنى مُتوفِّيك ورافِعُك إلى فتوَفَّاه ورفَعه إليه.

ثم اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في معنَى "الوفاةِ" التي ذكَرها اللهُ ﷿ في هذه الآية؛ فقال بعضُهم: هي وفاةُ نومٍ. وكان معنَى الكلامِ على مَذْهَبِهِم: إني مُنِيمُك


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٣١٢ - ٣١٨.