للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾: إلا فَتْحًا، أو قَتْلًا في سبيلِ اللهِ، ﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا﴾. أي: قتلٌ (١).

القولُ في تأويل قوله: ﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (٥٣)﴾.

يقول تعالى ذكره لنبيِّه محمدٍ : ﴿قُلْ﴾ يا محمد، لهؤلاء المنافقين: أنفقوا كيف شِئْتُم أموالكم في سَفَرِكم هذا وغيره، وعلى أيِّ حالٍ شِئْتُم، مِن حالِ الطوع والكرْه، فإنكم إن تُنفقوها، لن يتقبَّل الله منكم نَفَقاتِكم، وأنتم في شَكٍّ من دينكم، وجَهْلٍ منكم بنبوَّة نبيِّكم، وسوء معرفة منكم بثواب الله وعقابه، ﴿إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾. يقولُ: خارجين عن الإيمان بربكم.

وخرج قوله: ﴿أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ مَخْرج الأمْرِ، ومعناه الخبرُ (٢)، والعربُ تَفْعَلُ ذلك في الأماكن التي يَحْسُنُ فيها "إن"، التي تأتي بمعنى الجزاء، كما قال، جلّ ثناؤه: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠]. فهو في لفظ الأمر، ومعناه الجزاءُ (٣)، ومنه قول الشاعر (٤):

أسيئى بنا أو أحْسِنى لا مَلُومةً … لَدَيْنا ولا مَقْلِيَّةً إِنْ تَقَلَّتِ


(١) أخرجه ابن أبي حاتم ٦/ ١٨١٢ من طريق يزيد به ببعضه.
(٢) قال الفراء في معاني القرآن ١/ ٤٤١: "وهو أمر في اللفظ وليس بأمر في المعنى؛ لأنه أخبرهم أنه لن يتقبل منهم. وهو في الكلام بمنزلة إن في الجزاء؛ كأنك قلت: إن أنفقت طوعا أو كرها فليس بمقبول منك … " وينظر الكشاف ٢/ ١٩٥، والبحر المحيط ٥/ ٥٢، والمحكم لابن سيده ٣/ ١٤٤، وينظر أيضا تفسير المصنف لقوله تعالى: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ الآية [التوبة: ٨٠].
(٣) في م: "الخبر". وينظر الحاشية السابقة.
(٤) هو كثير عزة، وقد تقدم تخريج البيت في ٢/ ١٩٤.