للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما اخْتَرْنا ذلك على قراءةِ الياءِ؛ لأنَّ القومَ إذا رَأَوُا العذابَ فقد أيْقَنوا أنَّ القوَّةَ للهِ جميعًا، وأنَّ اللهَ شديدُ العذابِ، فلا وجهَ لأنَّ يُقالَ: لو يَرَوْن أن القوَّةَ للهِ جميعًا. حينئذٍ؛ لأنه إنما يقالُ: لو رَأَيْتَ. لمن لَمْ يَرَ. فأمَّا مَن قد رآه، فلا معنَى لأنَّ يُقالَ له: لو رأيتَ.

ومعنى قولِه: ﴿إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾: إذ يُعايِنون العذابَ.

كما حُدِّثتُ عن عمارِ بنِ الحسنِ، قال: ثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ قولَه: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾ يقولُ: لو قد عايَنوا العذابَ (١).

وإنما عَنَى جل ثناؤُه بقولِه: (ولو ترى الذين ظَلَموا): ولو تَرَى يا محمدُ الذين ظلَمُوا أنفسَهم، فاتَّخَذوا مِن دُوني أندادًا يُحِبونهم كحُبِّكم إيَّايَ، حينَ يُعايِنون عذابِي يومَ القيامةِ الذي أعْدَدْتُ لهم، لَعَلِمْتم أنَّ القوَّةَ كلَّها لي دونَ الأندادِ والآلهةِ، وأنَّ الأندادَ والآلهةَ لا تُغنِي عنهم هنالك شيئًا، ولا تَدْفَعُ عنهم عذابًا أحْلَلْتُ بهم، وأيْقَنتم أنِّي شديدٌ عذابي لمن كَفَر بي، وادَّعَى معي إلهًا غيري.

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ﴾.

يعني بقولِه جل ذكرُه: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾: [وأنَّ اللهَ شديدُ العقابِ] (٢) إذ تَبَرَّأ الذين اتُّبِعوا مِن الذين اتَّبَعوا.

ثم اخْتَلَف أهل التأويلِ في الذين عَنَى اللهُ بقولِه: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾. فقال بعضُهم بما حَدَّثَنَا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ زُرَيعٍ،


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٧٧ عقب الأثر (١٤٨٦) من طريق ابن أبي جعفر به.
(٢) في م، ت ١، ت ٢: "ورأوا العذاب".