فإن قال قائلٌ: فكيفَ قال: ﴿كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ﴾. و "آدم" معرفةٌ، والمَعارِفُ لا تُوصَلُ؟
قيل: إن قولَه: ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾. غيرُ صلةٍ لآدمَ، وإنما هو بيانٌ عن أمرِه، على وجهِ التفسيرِ عن المَثَلِ الذي ضرَبه، وكيف كان.
وأما قولُه: ﴿ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. فإنما قال: ﴿فَيَكُونُ﴾. وقد ابْتَدَأ الخبرَ عن خَلْقِ آدمَ، وذلك خبرٌ عن أمرٍ قد تقَضَّى، وقد أَخْرَج الخبرَ عنه مُخْرَجَ الخبرِ عمَّا قد مضَى، فقال جلَّ ثناؤُه: ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. لأنه بمعنى الإعلامِ من اللهِ نبيِّه أن تَكْوينَه الأشياءَ بقولِه: ﴿كُنْ﴾. ثم قال: ﴿فَيَكُونُ﴾. خبرًا مُبْتَدَأً، وقد تَناهَى الخبرُ عن أمرِ آدمَ عندَ قولِه: ﴿كُنْ﴾.
فتأويلُ الكلامِ إذنْ: إن مثلَ عيسى عند اللهِ كمثلِ آدمَ خلَقه من ترابٍ ثم قال له: كنْ. واعْلَمْ يا محمدُ أنَّ ما قال له ربُّك: كنْ. فهو كائنٌ.
فلما كان في قولِه: ﴿كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ﴾. دَلالةٌ على أن الكلامَ يُراد به إعلامُ نبيِّ اللهِ ﷺ وسائرِ خلقِه أنه كائنٌ ما كوَّنه ابتداءً مِن غيرِ أصلٍ ولا أولٍ ولا عُنْصُرٍ، اسْتُغْنِى بدَلالةِ الكلامِ على المعنى، وقيل: ﴿فَيَكُونُ﴾. فعطَف بالمستقبلِ على الماضِي، على ذلك المعنى.
وقد قال بعضُ أهلِ العربيةِ: ﴿فَيَكُونُ﴾ رُفِعَ على الابْتداءِ، ومعناه: كُنْ فكان. فكأنه قال: فإذا هو كائنٌ.