للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اختلَف أهلُ التأويلِ في المعنيِّ بقولِه: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ﴾ الآية؛ فقال بعضُهم: هو حسانُ بنُ ثابتٍ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بن قَزَعَةَ، قال: ثنا مَسْلَمةُ بنُ علقمةَ، قال: ثنا داودُ، عن عامرٍ، أن عائشةَ قالت: ما سمِعتُ بشيءٍ أحسنَ من شعرِ حسانَ، وما تمثَّلتُ به إلا رجَوتُ له الجنةَ، قولُه لأبي سفيانَ (١):

هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فأجَبْتُ عَنْهُ … وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الجَزَاءُ

فإنَّ أبي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِى … لعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقاءُ

أتَشْتُمُهُ وَلَسْتَ لَهُ بكُفْءٍ … فَشَرُّكُما لَخَيْرِكُما الفِدَاءُ

لِسانِى صَارِمٌ لا عَيْبَ فِيهِ … وبَحْرِى لا تُكَدِّرُهُ الدَّلاءُ

فقيل: يا أمَّ المؤمنين، أليس هذا لغوًا؟ قالت: لا، إنما اللَّغوُ ما قيلَ عندَ النساءِ. قيل: أليسَ اللَّهُ يقولُ: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾؟ قالت: أليسَ قد أصابه عذابٌ عظيمٌ؟ أليسَ قد ذهَب بصرُه وكُنِّع بالسيفِ (٢)؟

قال: ثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا مؤمَّلٌ، قال: ثنا سفيانُ، عن الأعمشِ، عن أبي الضحى، عن مسروقٍ، قال: كنتُ عندَ عائشةَ، فدخَل حسانُ بنُ ثابتٍ، فأَمَرَت فأُلقِيَ له وسادةٌ، فلما خرَج قلتُ لعائشةَ: ما


(١) ديوان حسان ص ٧٦.
(٢) كنع بالسيف: ضرب به حتى يبس جلده. اللسان (ك ن ع).
والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٣٣ إلى المصنف.