للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.

يعنى بذلك تعالى ذكره: الذين جعلهم جهادهم عدوَّهم يُحْصِرون أنفسهم، فيحبسونها عن التصرُّف، فلا يستطيعون تصرُّفًا.

وقد دلَّلنا فيما مضى قبلُ على أنّ معنى الإحصارِ تصييرُ الرجلِ المُحْصِرِ مرَضُه أو فاقتُه أو جهادُه عدوَّه، وغيرُ ذلك من عليه، إلى حالة يحبس فيها نفسه عن التصرُّف في أسبابه، بما فيه الكفاية فيما مضى قبلُ (١).

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضُهم في ذلك بنحو الذي قلنا فيه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قَتادةَ في قوله: ﴿الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾. قال: حصروا أنفسَهم في سبيل الله للغزو (٢).

حدَّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾. قال: كانت الأرض كلُّها كفرًا، لا يستطيعُ أحدٌ أن يخرُجَ يبتغى من فضلِ اللهِ، فإذا خرج خرج في كفرٍ. وقيل: كانت الأرضُ كلُّها حربًا على أهل هذا البلد، وكانوا لا يتوجَّهون جهةً إلَّا لهم فيها عدوٌّ، فقال الله : ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي


(١) ينظر ما تقدم في ٣/ ٣٤٢ وما بعدها.
(٢) تفسير عبد الرزاق ١/ ١٠٩، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٥٤٠ (٢٨٦٧) عن الحسن بن يحيى به.