الذكر. يقولُ جلَّ ثناؤُه: وقد سبَق في علمى أنهم لا يُؤْمنون، فلن يُؤْمِنَ بك أكثرُهم للسابقِ في علمِي فيهم.
وقولُه: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾. يقولُ: وإن ربَّك يا محمدُ لَهو العزيزُ في نِقْمتِه، لا يَمْتَنِعُ عليه أحدٌ أراد الانتقامَ منه. يقولُ تعالى ذكرُه: وإني إن أحْلَلْتُ بهؤلاء المكذِّبين بك يا محمدُ، المعرِضِين عما تأتيهم مِن ذكرٍ مِن عندى - عقوبتي بتكذيبهم إياك، فلن يمْنَعَهم منى مانعٌ؛ لأنى أنا العزيزُ الرحيمُ. يعنى أنه ذو الرحمةِ بمن تاب مِن خلقه، من كفرِه ومعصيتِه، أن يُعاقِبَه على ما سلَف مِن جُرْمِه بعد توبتِه.
وكان ابن جريجٍ يقولُ في معنى ذلك ما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجَّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: كلُّ شيءٍ في "الشعراءِ" من قولِه: "عزيزٌ رحيمٌ". فهو ما أهْلَك ممَّن مضَى من الأممِ. يقولُ: عزيزٌ حينَ انْتقَم مِن أعدائِه، رحيمٌ بالمؤمنين حينَ أنجاهم مما أَهْلَك به أعداءَه (١).
قال أبو جعفرٍ: وإنما اخْتَرْنا القولُ الذي اخْتَرْناه في ذلك في هذا الموضع؛ لأن قولَه: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾. عَقِيبَ وَعِيدِ اللَّهِ قومًا مِن أهلِ الشركِ والتكذيبِ بالبعثِ، لم يكونوا أُهْلِكوا فيُوَجَّهَ إلى أنه خبرٌ مِن اللهِ فعلِه بهم وإهلاكِه. ولعل ابنَ جُريجٍ بقوله هذا أراد ما كان ذلك عقيبَ خبرِ اللَّهِ عن من إهلاكِه مَن أَهْلَك مِن الأممِ، وذلك إن شاء اللهُ إذا كان عقيبَ خبرهم، كذلك.