(١) فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: ﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ﴾. جُعِلَت (٢) الهاءُ والميمُ في قولِه: ﴿بَيْنَهُمُ﴾، كِنايةً عن اليهودِ والنصارى، ولم يَجْرِ لليهودِ
(٣) والنصارى ذكرٌ؟
قيل: قد جَرَى لهم ذكرُ، وذلك قولُه: ﴿لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [المائدة: ٥١] جرَى الخبرُ في بعضِ الآيِ عن الفريقين، وفي بعضٍ عن أحدِهما، إلى أن انْتَهَى إلى قولِه: ﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ﴾. ثم قصَد بقولِه: ﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ﴾ الخبرَ عن الفريقين.
القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾.
يقولُ تعالى ذكرُه: كلما جُمِع أمرُهم على شيءٍ فاسْتقام واسْتَوى، فأرادوا مُناهَضةَ مَن ناوَأَهم، شتَّته اللهُ عليهم وأفْسَده؛ لسُوء فِعالِهم، وخُبْثِ نِيّاتِهم.
كالذي حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ في قولِه: ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (٥) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾ [الإسراء: ٤ - ٦]. قال: كان الفسادُ الأولُ، فبعَث اللهُ عليهم عدوًّا، فاسْتَباحوا الديارَ، واسْتَنْكحوا النساءَ، واسْتَعْبَدوا الوِلْدانَ، وخرَّبوا المسجدَ، فغَبَرُوا زمانًا، ثم بعَث اللهُ فيهم نبيًّا، وعاد أمرُهم إلى أحسنِ ما كان. ثم كان الفسادُ الثاني بقتلِهم الأنبياءَ، حتى قتَلوا يحيى بنَ زكريا، فبعَث اللهُ عليهم بُخْتَنَصَّرَ، فقتَل مَن قتَل منهم، وسبَى مَن سبَى، وخرَّب المسجدَ، فكان بُخْتُنَصَّرَ الفسادَ الثانيَ. قال: والفسادُ المعصيةُ. ثم قال: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ إلى قولِه: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾. فبعَث اللهُ لهم عُزَيْرًا، وقد