للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: بل معناه: قبضًا خفيًّا.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن عبدِ العزيزِ بن رُفَيْعٍ، عن مجاهدٍ: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾. قال: خفيًّا (١).

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: ﴿قَبْضًا يَسِيرًا﴾. قال: خفيًّا. قال: إن ما بينَ الشمسِ والظلِّ مثلُ الخيطِ.

واليَسيرُ الفَعيلُ مِن اليُسْرِ، وهو السهلُ الهيِّنُ في كلامِ العربِ. فمعنى الكلامِ إذ كان ذلك كذلك، يَتَوَجَّهُ لما رُوِى عن ابن عباسٍ ومجاهدٍ؛ لأن سهولةَ قبضِ ذلك قد تكونُ بسرعةٍ وخَفاءٍ.

وقيل: إنما قيل: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾؛ لأن الظلَّ بعدَ غروبِ الشمسِ لا يَذْهَبُ كلُّه دَفْعةً، ولا يُقبِلُ الظلامُ كلُّه جملةً، وإنما يُقبَضُ ذلك الظلُّ قبضًا خفيًّا، شيئًا بعد شيءٍ، ويَعْقُبُ كلَّ جزءٍ منه يَقْبِضُه جزءٌ مِن الظلامِ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (٤٧)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: والذي مدَّ الظلَّ ثم جعلَ الشمسَ عليه دليلًا، هو الذي جعَل لكم أيُّها الناسُ الليلَ لباسًا. وإنما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾؛ لأنه جعله لخلقِه جُنَّةً يَجْتَنُّون فيها ويَسْكُنون، فصار لهم سترًا يسْتَترون به، كما


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٨/ ٢٧٠٣ من طريق سفيان به، والأثر في تفسير سفيان ص ٢٢٧ عن سعيد عن مجاهد.