للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السديُّ: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾. قال: أما ﴿أَشُدَّهُ﴾ فثلاثون سنةً، ثم جاء بعدَها: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ [النساء: ٦] (١).

وفي الكلام محذوفٌ تُرِك ذكره اكْتِفاءً بدَلالةِ ما ظهَر عما حُذِف. وذلك أن معنى الكلامِ: ولا تَقْرَبوا مالَ اليتيمِ إلَّا بالتى هي أحسنُ حتى يَبْلُغَ أَشُدَّه، فإذا بلَغ أَشُدَّه فَآنَسْتُم منه رُشْدًا فَادْفَعوا إليه مالَه. لأنه جلَّ ثناؤُه لم يَنْهَ أن يُقْرَبَ مالُ اليتيمِ في حالِ يُتْمِه إلا بالتي هي أحسنُ حتى يَبْلُغَ أَشُدَّه، لِيَحِلَّ (٢) لوليِّه بعدَ بُلوغِه أشُدَّه أن يَقْرَبَه بالتي هي أسْوأُ، ولكنَّه نَهاهم أن يَقْرَبوه (٣) حِياطةً منه له، وحِفظًا عليه، ليُسْلِموه إليه إذا بلَغ أشُدَّه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ - وأن ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ﴾. يقولُ: لا تَبْخَسوا الناسَ الكيلَ إذا كِلْتُموهم، والوزنَ إذا وزَنْتُموهم، ولكنْ أوْفُوهم حقوقَهم. وإيفاؤُهم ذلك إعطاؤُهم حقوقَهم تامَّةً، ﴿بِالْقِسْطِ﴾. يعني: بالعدلِ.

كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شِبلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ: ﴿بِالْقِسْطِ﴾: بالعدلِ (٤).

وقد بيَّنا معنى "القسطِ" بشَواهِدِه فيما مضَى، وكَرِهْنا إعادتَه (٥).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٤٢٠ (٨٠٩٠) من طريق أحمد بن المفضل به دون آخره.
(٢) في م: "ويحل".
(٣) في م: "يقربوا".
(٤) تقدم في ٥/ ٢٨٠.
(٥) ينظر ما تقدم في ٨/ ٤٤٧، ٤٤٨.