للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قوله: ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾: فرارًا من عدوِّهم، حتى ذاقوا الموت الذي فرُّوا منه، فأمَرهم فرجعوا، وأمَرهم أن يقاتلوا في سبيل الله، وهم الذين قالوا لنبيِّهم: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (١).

وإنما حثَّ الله تعالى ذكرُه عباده بهذه الآية على المواظبةِ على الجهاد في سبيله، والصبر على قتال أعداء دينِه، وشجَّعهم بإعلامه إيَّاهم، وتذكيره لهم أن الإماتة والإحياء بيديه، وإليه دونَ خلقِه، وأن الفرار من القتال والهربَ من الجهادِ ولقاء الأعداء إلى التحصُّن في الحصونِ، والاختباء في المنازل والدورِ، غيرُ مُنْجٍ أحدًا من قضائِه إذا حلَّ بساحته، ولا دافعٍ (٢) عنه أسبابَ مَنيَّتِهِ إِذَا نَزَلَ بِعَقُوتِه (٣)، كما لم يَنْفَعِ الهاربين من الطاعون الذين وصف الله تعالى ذكرُه صفتهم في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ - فرارُهم من أوطانهم، وانتقالُهم من منازلهم إلى الموضع الذي أمَّلُوا بالمصير إليه السلامة، وبالموْئِل النجاة من المنيَّة، حتى أتاهم أمرُ اللهِ، فتركهم جميعًا خُمودًا صَرْعَى، وفى الأرضِ هَلْكَى، ونجا مما حلَّ بهم الذين باشَروا كرْبَ الوباء، وخالطوا بأنفسهم عظيمَ البلاء.

القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٢٤٣)﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بذلك: إن الله لذو فضلٍ ومَنْ على خلقه؛ بتبصيره إياهم سبيلَ الهُدَى، وتحذيره لهم طرق الرَّدَى، وغير ذلك مِن نِعَمِه التي يُنْعِمُها عليهم في


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٤٥٦ (٢٤١٧) عن محمد بن سعد به مقتصرا على قوله: فرارا من عدوهم.
(٢) في س: "مانع".
(٣) في م: "بعقوبته". وعقوة الدار: ساحتها. اللسان (ع ق و).