للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحياةِ الدنيا، كما قال: ﴿لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَهَارٍ بَلَاغٌ﴾ [الأحقاف: ٣٥]. بمعنى هذا بلاغٌ.

وقد يحتملُ أن يكونَ معنى ذلك: إنما بَغْيُكم في الحياة الدنيا على أنفسِكم؛ لأنكم بكفرِكم تُكْسِبونها غضبَ اللَّهِ، متاعُ الحياةِ الدنيا، كأنه قال: إنما بَغْيُكم متاعُ الحياةِ الدنيا. فيكونُ "البَغْى" مرفوعًا بالمتاعِ، و"على أنفسِكم" مِن صلةِ "البَغْيِ" (١).

وبرفعِ "المتاعِ"، قرأت القرَأةُ سوى عبدِ اللَّهِ بنِ أَبي إسحاقَ، فإِنه نَصَبَه بمعنى: إنما بَغْيُكم على أنفسِكم متاعًا في الحياةِ الدنيا، فجعل البَغْى مرفوعًا بقوله: ﴿عَلَى أَنفُسِكُم﴾ والمتاعَ منصوبًا على الحالِ (٢).

وقوله: ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ﴾. يقولُ: ثم إلينا بعدَ ذلك مَعادُكم ومصيرُكم، وذلك بعدَ المماتِ. ﴿فَنَنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. يقولُ: فنخبِرُكم يومَ القيامِة بما كنتُم تَعْمَلون في الدنيا مِن معاصى اللهِ، ونُجازيكم على أعمالِكم التي سلَفت منكم في الدنيا.

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤)﴾.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "البلاغ".
(٢) قراءة الرفع هى قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي، وأما قراءة النصب فهى قراءة عاصم في رواية حفص. ينظر السبعة ٣٢٥، والتيسير ص ٩٩، وينظر البحر المحيط ٥/ ١٤٠.