للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشِّرْكِ باللهِ يَتَبَرَّءُون مِن أتباعِهم حينَ يُعايِنون عذابَ اللهِ، ولم يَخْصُصْ بذلك منهم بعضًا دونَ بعضٍ، بل عَمَّ جميعَهم، فداخِلٌ (١) في ذلك كلُّ متبوعٍ على الكفرِ باللهِ والضلالِ، أنه يَتَبَرَّأُ مِن تُبّاعِه الذين كانوا يَتَّبِعونه على الضلالِ في الدنيا، إذ عاينوا عذابَ اللهِ في الآخرِة.

وأمّا دَلالةُ الآيةِ في مَن عَنَى بقولِه: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾. فإنها إنما تَدُلُّ على أنَّ الأندادَ الذين اتَّخَذَهم مِن دونِ اللهِ مَن وَصَف جل ذكرُه صفتَه بقولِه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا﴾. هم الذين يَتَبَرَّءون مِن أتْباعِهم.

وإذ كانتِ الآيةُ على ذلك دَالَّةً، صحَّ التأويلُ الذي تَأَوَّلَه السُّدِّيُّ (٢) في قولِه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا﴾. أنَّ "الأنْدادَ" في هذا الموضعِ إنما أُرِيد بها الأندادُ مِن الرجالِ الذين يُطيعونهم فيما أمَروهم به مِن أمرٍ، ويَعْصُون اللهَ في طاعتِهم إيَّاهم، كما يُطِيعُ اللهَ المؤمنون ويَعْصُون غيرَه - وفَسَد تأويلُ قولِ مَن قال: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ أنهم الشياطينُ تَبَرَّءوا مِن أوليائِهم مِن الإنسِ؛ لأنَّ هذه الآيةَ إنما هي في سياقِ الخبرِ عن مُتَّخذي الأندادِ.

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (١٦٦)﴾.

يعني جل ثناؤُه بذلك، وأنَّ اللهَ شديدُ العذابِ إذ تَبَرَّأ الذين اتُّبِعوا مِن الذِين اتَّبَعوا، وإذ تَقَطَّعَتْ بهم الأسبابُ.


(١) في م، ت ٢، ت ٣: "فدخل".
(٢) كذا ذكر المصنف، وقول السدي هو القول الذي سيردُّه المصنف من أن الذين اتُّبِعوا هم الشياطين، والقول الآخر الذي اختاره المصنف هو قول قتادة والربيع وعطاء، كما ذكر المصنف نفسه.