للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللهِ، وجارُوا عن قصدِ المَحَجَّةِ، باتخاذِهم الشياطينَ نُصَرَاءَ مِن دونِ اللَّهِ وظُهَرَاءَ، جهلًا منهم بخطأَ ما هم عليه مِن ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يَظُنُّون أنهم على هُدًى وحقٍّ، وأن الصوابَ ما أَتَوْه وركِبوا.

وهذا مِن أبيَنِ الدلالةِ على خطأ قولِ مَن زعَم أن الله لا يُعَذِّبُ أحدًا على معصيةٍ ركِبها، أو ضلالةٍ اعْتَقَدَها، إلا أن يَأْتِيها بعدَ علمٍ منه بصوابِ وجهها، فيَرْكَبَها عِنادًا منه لربِّه فيها؛ لأن ذلك لو كان كذلك، لم يَكُنْ بينَ فريقِ الضلالةِ الذي ضلَّ وهو يَحْسَبُ أنه هادٍ، وفريقِ الهدى - فَرْقٌ، وقد فرَّق اللهُ بينَ أسمائِهما وأحكامِهما في هذه الآيةِ.

القولِ في تأويلِ قولِه: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لهؤلاء الذين يَتَعَرَّوْن عندَ طوافِهم ببيتِه الحرامِ، ويُبْدُون عوراتِهم هنالك مِن مشركي العربِ، والمُحَرِّمين منهم أكلَ ما لم يُحَرِّمه اللهُ عليهم مِن حلالِ رزقِه، تَبَرُّرًا عندَ نفسِه لربِّه: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾ مِن الكِساءِ واللِّباسِ، ﴿عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا﴾ مِن طيباتِ ما رزَقْتُكم، وحلَّلْتُه لكم، ﴿وَاشْرَبُوا﴾ مِن حلالِ الأشْربة، ولا تُحَرِّموا إلا ما حرَّمْتُ عليكم في كتابي، أو على لسانِ رسولي محمدٍ .

وبنحو الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا يحيَى بنُ [حَبيبِ بن] (١) عَربيٍّ، قال: ثنا خالدُ بنُ الحارثِ، قال: ثنا شعبةُ، عن سلمةَ، عن مسلمٍ البَطينِ، عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ: إن النساءَ كُنَّ يَطْفْنَ


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "حسين". وينظر تهذيب الكمال ٣١/ ٢٦٢.