للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذْ كان قد تقدَّمَها جَحْدٌ في الكلامِ قبلَها، وهو قولُه: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ﴾، فيكونُ نظيرَ قولِ اللهِ تعالى ذكرُه: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف: ١٢]. بمعنى ما منعكَ أن تسجدَ، كما قال الشاعر (١):

ما كان يَرْضَى رسولُ اللهِ فعلَهمُ (٢) … والطيِّبان أبو بَكْرٍ ولا عُمَرُ

فلو كان رسمُ المصحفِ كذلك لم يكن فيه لمحتجٍّ به حجةٌ، مع احتمالِ الكلامِ ما وصفْنَا؛ لما بيَّنَّا من أنّ ذلك مما علَّم رسولُ اللهِ أمَّتَه في مناسكِهم على ما ذَكَرْنا، ولدَلالةِ القياسِ على صحتِه، فكيف وهو خلافُ رُسومِ مصاحفِ المسلمين، ومما لوْ قرأ به اليومَ قارئٌ كان مُسْتَحِقًّا العقوبةَ؛ لزيادتِه في كتابِ اللهِ ﷿ ما ليس منه؟!

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾.

اختَلَف القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأَتْه عامَّةُ قَرَأةِ أهلِ المدينةِ والبصرةِ: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ (٣). على لفظِ المُضِيِّ؛ بالتاءِ وفَتْحِ العينِ. وقرأتْه عامةُ قرَأةِ الكوفيين: (ومَنْ يَطَّوَّعْ خيرًا) (٤) بالياءِ وجَزْمِ العينِ وتشْديدِ الطاءِ، بمعنى: ومَن يتطوَّعْ. وذُكِر أنها في قراءةِ عبدِ اللهِ (ومَن يَتطوّعْ) (٥). فقرأتْ ذلك قَرَأَةُ أهلِ الكوفةِ، على ما وصَفْنا، اعتبارًا بالذي ذكرْنا مِن قراءةِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، سوَى عاصمٍ فإنه وافَق المدنيِّينَ، فشدّدُوا الطاءَ طلبًا لإدغامِ التاءِ في الطاءِ. وكلْتَا القراءتَينْ معروفةٌ


(١) هو جرير بن عطية. والبيت تقدم في ١/ ١٩٣.
(٢) في م: "فعلهما".
(٣) هذه قراءة غير حمزة والكسائي. ينظر حجة القراءات ص ١١٨.
(٤) هذه قراءة حمزة والكسائي. ينظر حجة القراءات ص ١١٨.
(٥) حجة القراءات ص ١١٨. وقراءته: (ومن يتطوع بخير). وهي قراءة شاذة. ينظر المصاحف ص ٥٧، والبحر المحيط ١/ ٤٥٨.