للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تفسير السورة التي يُذْكَرُ فيها التوبةُ

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (٢)﴾.

يعنى بقوله: جلَّ ثناؤُه: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾. هذه براءةٌ مِن اللَّهِ ورسوله.

فـ ﴿بَرَاءَةٌ﴾ مرفوعةٌ بمحذوفٍ، وهو هذه، كما في قولِه: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا﴾ [النور: ١] مرفوعةٌ بمحذوفٍ هو هذه، ولو قال قائلٌ: ﴿بَرَاءَةٌ﴾ مرفوعةٌ بالعائدِ مِن ذكرِها في قولِه: ﴿إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ﴾. وجَعَلها كالمعرفةِ تَرْفَعُ ما بعدَها، إذْ كانت قد صارَت بصِلَتِها، وهى قوله: ﴿مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِه﴾ كالمعرفةِ، وصار معنى الكلامِ: براءةٌ (١) من الله ورسولِه، إلى الذين عاهَدْتم مِن المشركين. كان مذهبًا غيرَ مَدْفوعةٍ صحتُه، وإن كان القولُ الأولُ أعجبَ إِليَّ؛ لأن مِن شَأْنِ العربِ أن يُضْمِروا لكلِّ مُعاينٍ، نكرةً كان أو معرفةً ذلك المُعاينُ، "هذا" و "هذه"، فيقولون عندَ مُعاينتِهم الشيءَ الحسنَ: حسنٌ والله. والقبيحَ: قَبيحٌ واللهِ. يُريدون: هذا حسنٌ والله، وهذا قبيحٌ والله؛ فلذلك اخْتَرتُ القولَ الأَوَّلَ.

وقال: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ﴾. والمعنى: إلى الذين عاهد رسول الله من المشركين؛ لأن العُهودَ بينَ المسلمين والمشركين على عهدِ رسول الله ، لم يكن يَتَوَلَّى عَقْدَها إلا رسولُ الله ، أو مَن يَعْقِدُها بأَمْرِه،


(١) كذا في النسخ ولعل صوابها: "البراءة".