للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندَنا قولُ من قال: إن معنى ذلك: الحجُّ شهران وعشرٌ من الثالثِ. لأن ذلك من اللَّهِ خبرٌ عن ميقاتِ الحَجِّ، ولا عملَ للحَجِّ يُعملُ بعد انقضاءِ أيامِ مِنًى، فمعلومٌ أنه لم يَعْنِ بذلك جميعَ الشهرِ الثالثِ. وإذا لم يكنْ معنيًّا به جميعُه، صحَّ قولُ من قال: وعشرُ ذي الحجةِ.

فإن قال قائلٌ: فكيف قيل: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾. وهو شهران وبعضُ الثالثِ؟

قيل: إن العربَ لا تمتنِعُ - خاصةً في الأوقاتِ - من استعمالِ مثلِ ذلك، فتقولُ: له اليومَ يومان منذ لم أرَه. وإنما يَعني بذلك يومًا وبعضَ آخرَ، وكما قال جل ثناؤُه: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] وإنما يَتَعجَّلُ في يومٍ ونصفٍ. وقد يفعلُ الفاعلُ منهم الفعلَ في الساعةِ، ثم يُخْرِجُه عامًّا على (١) السَّنةِ والشهرِ، فيقولُ: زرتُه العامَ وأتيتُه اليومَ. وهو لا يريدُ بذلك أنَّ فعلَه أخَذ من أولِ الوقتِ الذي ذكَره إلى آخرِه، ولكنه يعني أنه فعَله إذ ذاك، وفي ذلك الحينِ، [فلذلك قيل] (٢): ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ﴾ والمرادُ منه: الحجُّ. شهران وبعضُ آخرَ.

فمعنى الآيةِ إذن ميقاتُ حَجِّكم أيُّها الناسُ شهران وبعضُ الثالثِ، وهنَّ (٣) شوالٌ وذو القَعدةِ وعشرُ ذي الحِجةِ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾.


(١) بعده في الأصل: "فاعل".
(٢) في م: "فكذلك".
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "هو".