للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كرسيٍّ عند بابِ الجنةِ، وعندَه قومٌ جلوسٌ بيضُ الوجُوه أمثالُ القراطيسِ، وقومٌ في ألوانِهم شيءٌ، فقام الذين في ألوانِهم شيءٌ، فدخَلوا نَهَرًا فاغْتَسَلوا فيه، فخرَجوا وقد خَلَص مِن ألوانِهم شيءٌ، ثم دخلوا نَهَرًا آخرَ فاغْتَسلوا فيه، فخرَجوا وقد خَلَصَتْ ألوانُهم، فصاروا مثلَ ألوانِ أصحابِهم، فجاءوا فجلَسوا إلى أصحابِهم، فقال: يا جبريلُ من هذا الأَشْمَطُ؟ ومَن هؤلاءِ البيضُ الوجوهُ؟ ومَن هؤلاءِ الذين في ألوانِهم شيءٌ؟ وما هذه الأنهارُ التي اغْتَسلوا فيها؟ فجاءوا وقد صَفَتْ ألوانُهم، قال: هذا أبوك إبراهيمُ، أَوَّلُ مَن شَمِط على الأرضِ، وأما هؤلاء البيضُ الوجوهُ، فقومٌ لم يَلْبِسوا إيمانهم بظلمٍ. وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيءٌ، فقومٌ خَلَطُوا عملًا صالحًا وآخرَ سيئًا، فتابوا، فتاب اللهُ عليهم. وأما الأنهارُ، فأوَّلُها رحمةٌ، والثاني نعمةٌ، والثالثُ سقاهم ربُّهم شرابًا طهورًا (١).

القول في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (٢٢) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (٢٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: يقالُ لهؤلاءِ الأبرارِ حينئذٍ: إِنَّ هذا الذي أَعْطَيناكم مِن الكرامةِ كان لكم ثوابًا على ما كنتم في الدنيا تعملون مِن الصالحاتِ، ﴿وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾. يقولُ: وكان عملُكم فيها مَشْكُورًا، حَمِدكم عليه ربُّكم، ورَضِيه لكم، فأثابكم بما أثابكم به من الكرامةِ عليه.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾: غفَر لهم الذنبَ، وشكَر لهم الحَسَنَ (٢).


(١) تقدم مطولا في ١٤/ ٤٢٤ - ٤٣٥.
(٢) ذكره القرطبي ١٩/ ١٤٧.