للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُضَيِّعْ له أجرَ فعلِه ذلك.

وقد اختَلَف أهلُ التأويل في حكم هذه الآيةِ؛ فقال بعضُهم: هي مُحْكَمةٌ، وإنما كان ذلك لرسول الله خاصةً، لم يكن لأحدٍ أن يَتَخَلَّفَ إِذا غَزا خِلافَه، فيَقْعُدَ عنه، إلا من كان ذا عُذْرٍ، فأما غيرُه مِن الأئمة والولاة، فإن لمن شاء مِن المؤمنين أن يَتَخَلَّفَ خِلافَه، إذا لم يكنْ بالمسلمين إليه ضرورةٌ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قوله: ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ﴾: هذا إذا غَزا نبيُّ الله بنفسِه، فليس لأحدٍ أن يَتَخَلَّفَ. ذكر لنا أن نبيَّ الله قال: "لولا أن أشُقَّ على أُمَّتِى ما تَخَلَّفْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو في سبيل الله، لكني لا أجِدُ سَعَةً فأَنْطَلِقَ بهم معى، ويَشُقُّ عليَّ - أو: أكْرَهُ - أن أدَعَهم بعدي" (١).

حدَّثنا عليُّ بنُ سهلٍ، قال: ثنا الوليدُ بن مسلمٍ، قال: سمعتُ الأوزاعيَّ، وعبدَ الله بن المباركِ، والفَزاريَّ، والسَّبِيعيَّ، وابنَ جابرٍ، وسعيدَ بنَ عبد العزيز، يقولون في هذه الآية: ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ﴾. إلى آخر الآية: إنها لأوَّل هذه الأمة وآخرها من المجاهدين في سبيل الله (٢).

وقال آخرون: هذه الآيةُ نزلت وفى أهل الإسلامِ قِلَّةٌ، فلما كَثُروا نسخها الله،


(١) أخرج المرفوع منه أحمد ١٢/ ٧٣ (٧١٥٧)، والبخارى - بنحوه (٧٢٢٦)، ومسلم (١٨٧٦) من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٩٠٨، ١٩٠٩ من طريق الوليد به.