للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان فيما مضى، كما تقولُ (١): ما أحسنَ ما كان عبدُ اللَّهِ. فأَنت تعجَبُ من عبدِ اللَّهِ لا من كَوْنِه، وإنما وقَع التعجُّبُ في اللفظِ على كونِه.

وكان بعضُ نحوييِّ الكوفةِ يُنكرُ ذلك من قولِه ويَسْتَخْطِئُه، ويقولُ: إنما أُلْغِيَت "كان" في التعجُّبِ لأن الفعلَ قد تقدَّمها، فكأنه قال: حَسَنًا كان زيدٌ، وحسَنٌ كان زيدٌ (٢). يُبْطِلُ "كان"، ويُعْمِلُ مع الأسماءِ والصفاتِ التي بألفاظِ الأسماءِ إذا جاءتْ قبلَ "كان"، ووقعَتْ "كان" بينها وبين الأسماءِ. وأما العِلَّةُ في إبطالِها إذا أُبطِلَت في هذه الحالِ، فتشبيهُ (٣) الصفاتِ والأسماءِ بـ "فعَل" و"يَفْعَلُ" التي (٤) لا يظهَرُ عملُ "كان" فيهما، ألا ترى أنك تقولُ: يقومُ كان زيدٌ. فلا يظهَرُ عملُ "كان" في "يقومُ"؟ وكذلك: قام كان زيدٌ. فلذلك أُبْطل عملُها مع "فاعل" تمثيلًا بـ "فعَل" و"يفعلُ"، وأُعْملت مع "فاعل" أحيانًا؛ لأنه اسمٌ، كما تُعْملُ في الأسماءِ. فأما إذا تقدَّمت "كان" الأسماءَ والأفعالَ، وكان الاسمُ والفعلُ بعدَها، فخطأٌ عندَه أن تكونَ "كان" مُبْطَلَةً. فلذلك أحال قولَ البصريِّ الذي حكَيناه، وتأوَّل قولَ اللَّهِ ﷿: ﴿بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (٥)﴾. أنه بمعنى: الذي يَكْذِبونه.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾.

اختَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ هذه الآيةِ؛ فرُوِي عن سلمانَ الفارسيِّ أنه كان يقولُ: لم يجئْ هؤلاء بعدُ.


(١) في ص، ت ٢، م: "يقال".
(٢) في ت ٢: "في التعجب لا".
(٣) في م: "فشبه".
(٤) في م: "اللتين".
(٥) ضبطه في "ر" بضم الياء.