للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذكرُه: وهكذا ﴿نَجْزِي﴾. أي: نُثِيبُ مَن أَسرَف، فعصَى رَبَّه ولم يُؤْمِنُ برسله وكتبه، فنَجْعَلُ له معيشةً ضنكًا في البرزخِ، كما قد بيَّنا قبلُ.

﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: ولعذابُ اللهِ في الآخرةِ لهم أشدُّ مما [عَذَّبَهم به] (١) في القبرِ مِن المعيشة الضنكِ، ﴿وَأَبْقَى﴾. يقولُ: وأدومُ منها؛ لأنه إلى غيرِ أَمَدٍ ولا نهايةٍ.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (١٢٨)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : أفلم يَهْدِ لقومِك المشركين باللهِ. ومعني ﴿يَهْدِ﴾: يُبَيِّنْ. يقولُ: أفلم يُبَيِّنْ (٢) لهم كثرةُ ما أَهْلَكْنا قبلَهم مِن الأممِ التي [سلفَت قبلَهم] (٣)، التي يَمْشون هم (٤) في مساكنِهم ودُورِهم، ويَرَوْن آثارَ عُقوباتنا التي أحْلَلْناها بهم - سوءَ مَغَبَّة (٥) ما هم عليه مُقِيمون مِن الكفرِ بآياتِنا، فيَتَّعظوا بهم، ويَعْتَبِروا ويُنيبوا إلى الإذْعانِ، ويُؤْمنوا باللهِ ورسولِه؛ خوفًا أن يُصِيتهم بكفرِهم باللهِ مثلُ ما أصابَهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذِكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا


(١) في ص: "وعدتهم به"، وفى م: "وعدتهم"، وفى ت ١، ف: "عذبهم".
(٢) في ص: "نبين".
(٣) في م: "سلكت قبلها".
(٤) سقط من: م.
(٥) في ت ١، ت ٢: "معية".