للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بهما في قَرَأةِ الأمصارِ، متفِقتا المعنى، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ الصوابَ بها.

القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤه: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧)﴾.

يقولُ جلَّ ثناؤُه: هؤلاء المستكبرون في الأرضِ بغيرِ الحقِّ، وكلُّ مُكذِّبٍ لحُجَجِ اللَّهِ ورسلِه وآياتِه، وجاحدٍ أنه يومَ القيامةِ مبعوثٌ بعدَ مماتِه، ومنكرٍ لقاءَ اللَّهِ في آخِرتِه، ذهَبت أعمالُهم فبطَلَت، وحصَلت لهم أوزارُها فثبَتت؛ لأنهم عمِلوا لغيرِ اللَّهِ، وأتعبوا أنفسَهم في غيرِ ما يُرضى اللَّهَ، فصارت أعمالُهم عليهم وبالًا، يقولُ جل ثناؤه: ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. يقولُ: هل ينالون (١) إِلَّا ثوابَ ما كانوا يعمَلون، فصارَ ثوابُ أعمالِهم الخلودَ في نارٍ أحاط بهم سُرادقُها؛ إذ كانت أعمالُهم في طاعةِ الشيطانِ دونَ طاعةِ الرحمنِ. نعوذُ باللَّهِ مِن غضبِه.

وقد بيَّنا معنى "الحُبوطِ" و "الجزاءِ" و "الآخرةِ" فيما مضى بما أغنى عن إعادتِه (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤه: ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (١٤٨)﴾.

يقولُ جلَّ ثناؤُه: واتَّخذ بنو إسرائيلَ - وهم قومُ موسى - مِن بعدِ ما فارقهم موسى ماضيًا إلى ربِّه لمناجاتِه ووفاءً للوعدِ الذي كان ربُّه وعدَه، ﴿مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا﴾. وهو ولدُ البقرةِ، فعبَدوه. ثم بيَّن تعالى ذكرُه ما ذلك العجلُ فقال:


(١) في ف: "يثابون".
(٢) ينظر ما تقدم في معنى الحبوط في ٣/ ٦٦٦، ٥/ ٢٩٢، ٨/ ١٤٩، ٥١٨، ٩/ ٣٨٧. ومعنى الجزاء في ١/ ٦٣٢ - ٦٣٥، ومعنى الآخرة في ١/ ٢٥١، ٢٥٢.