للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ﴾. والخوارُ صوتُ البقرِ. يخبرُ جلّ ذكرُه عنهم أنهم ضلُّوا بما لا يُضَلُّ بمثلِه أهلُ العقلِ، وذلك أن الربَّ الذي له مَلكوتُ السماواتِ والأرضِ ومدبرُ ذلك، لا يجوزُ أن يكونَ جسدًا له خوارٌ، لا يكلِّمُ أحدًا، ولا يرشُدُ إلى خيرٍ، وقال هؤلاءِ الذين قصَّ اللَّهُ قَصَصَهم لذلك: هو إلهنُا وإلهُ موسى. وعكَفوا عليه يعبُدونه جهلًا منهم وذَهَابًا عن اللَّهِ وضلالًا.

وقد بيَّنا سببَ عبادتِهم إياه، وكيف كان اتخاذُ مَن اتخذَ منهم العجلَ فيما مضَى بما أغنى عن إعادتِه (١).

وفى الحُليِّ لغتان: ضمُّ الحاءِ، وهو الأصلُ، وكسرُها، وكذلك ذلك في كلِّ ما شاكلَه مِن مثلِ "صليٍّ" و "جثيٍّ" و "عتيٍّ". وبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ الصوابَ؛ لاستفاضَةِ القراءةِ بهما في القَرَأةِ، واتفاقِ (٢) معنييهما (٣).

وقولُه: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ﴾. يقولُ: ألم يرَ الذين عكفوا على العجلِ الذي اتخذوه مِن حُليِّهم يعبدونه، أن العجلَ لا يُكلمُهم ﴿وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا﴾. يقولُ: ولا يرشدُهم إلى طريقٍ، وليس ذلك مِن صفةِ ربِّهم الذي له العبادةُ حقًّا، بل صفتُه أنه يكلمُ أنبياءَه ورسلَه، ويُرشدُ خلقَه إلى سبيلِ الخيرِ، وينهاهم عن سبيلِ المهالكِ والردَى. يقولُ اللَّهُ جلّ ثناؤه: ﴿اتَّخَذُوهُ﴾. أي: اتخذوا العجلَ إلهًا، ﴿وَكَانُوا﴾ باتخاذِهم إياه ربًّا معبودًا ﴿ظَالِمِينَ﴾ لأنفسِهم، بعبادتِهم (٤) غيرَ مَن له العبادةُ، وإضافتِهم الألوهةَ إلى غيرِ الذي له الألوهةُ.

وقد بيَّنا معنى "الظلمِ" فيما مضَى بما أغنى عن إعادتِه (٥).


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٦٦٩ - ٦٧٥.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "لاتفاق"، وفى م: "لا تفارق بين".
(٣) قرأ بكسر الحاء حمزة والكسائي، وقرأ الباقون بضمها. السبعة ص ٢٩٤، والتيسير ص ٩٣.
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "لعبادتهم".
(٥) ينظر ما تقدم في ١/ ٥٥٩، ٥٦٠.