للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَيَّنَّا قبلُ مِن أن ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾، هو الجارُ ذو القَرابةِ والرَّحِمِ.

والواجبُ أن يكونَ الجارُ ذو الجَنابةِ، الجارَ البعيدَ؛ ليكون ذلك وصيةً بجميعِ أصنافِ الجيرانِ، قريبِهم وبعيدِهم.

وبعدُ، فإن الجُنُبَ في كلامِ العربِ البعيدُ، كما قال أعشى بني قيسٍ (١):

أَتيتُ حُرَيْثًا زائرًا عن جَنابَةٍ … فكان حُرَيْثٌ في عَطائيَ جامِدا

يعنى بقولِه: عن جَنابةٍ. عن بُعْدِ وغُرْبةٍ. ومنه قيل: اجتَنَب فلانٌ فلانًا. إذا بَعُدَ منه وتَجَنَّبه. [وجنّبه خيرَه] (٢): إذا منَعه إياه. ومنه قيل للجَنُبِ: جُنُبٌ. لاعتزالِه الصلاةَ حتى يَغْتَسِلَ.

فمعنى ذلك: والجارِ المُجانِبِ للقَرابةِ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾.

اختَلف أهلُ التأويلِ في المَعْنِيِّ بذلك؛ فقال بعضُهم: هو رَفيقُ الرجلِ في سَفرِه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبد اللَّه بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليِّ بنِ أبى طلحةَ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾: الرفيقُ (٣).

حدَّثنا ابنُ بَشَّارٍ، قال: ثنا يحيى وعبدُ الرحمنِ، قالا: ثنا سُفيانُ، عن


(١) ديوانه ص ٦٥.
(٢) في م: "فيره".
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٩٤٩ (٥٣٠٣)، والبيهقي في الشعب (٩٥٢٤) كلاهما من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٥٩ إلى ابن المنذر.