للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به، وأنكروا البعثَ بعدَ المماتِ، بعضُهم لبعضٍ، مُعْجَمِين مِن رسول الله في وعده إيَّاهم ذلك: أفْتَرى هذا الرجلُ الذي يَعِدُنا [أنا بعدَ] (١) أَن تُمَزَّقَ كُلَّ مُمَزَّقٍ في خلق جديدٍ، على الله كذبًا، فتَخَلَّقَ عليه بذلك باطلًا مِن القولِ، وتَخَرَّصَ عليه قول الزور، ﴿أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾؟ يقول: أم هو مجنونٌ، فيتكلَّمَ بما لا معنى له؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويل.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: قالوا تكْذيبًا: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾؟ قال: قالوا: إمَّا أن يكونَ يكذب على الله، ﴿أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾؟ وإما أن يكون مجنونًا، ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ الآية (٢).

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيدٍ: ثم قال بعضُهم لبعضٍ: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾: أرجل (٣) مجنون فيتكلَّم بما لا يعقِلُ؟ فقال الله: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾.

وقوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾. يقولُ تعالى ذكره: ما الأمرُ كما قال هؤلاء المشركون في محمد وظَنُّوه به، من أنه افتَرى على الله كذبًا، أو أن به جنَّةٌ، لكن الذين لا يؤمنون بالآخرةِ من هؤلاء المشركين في عذاب الله في الآخرة، وفى الذهاب البعيد عن طريق الحقِّ وقصدِ


(١) في الأصل: "أبعد".
(٢) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ١٢٦ عن معمر عن قتادة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٢٢٦ إلى ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الرجل".