للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الجُفاءُ، فإنى حُدِّثت عن أبي عُبيدةَ مَعْمَرِ بن المثنى قال: قال أبو عمرِو بنُ العلاءِ، يقالُ: قد أجْفَأَتِ القِدرُ؛ وذلك إذا غَلَتْ فانْصَبَّ زَبَدُها، أو سكَنت فلا يَبْقَى منه شيءٌ (١).

وقد زعَم بعضُ أهلِ العربيةِ مِن أهلِ البصرةِ أن معنى قولِه: ﴿فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾: تَنْشَفُه الأرضُ. وقال: يُقالُ: جَفا الوادى وأجْفَى في معنى نَشِف، وانْجَفَى الوادى: إذا جاء بذلك الغُثاءِ، وغَثى الوادى، فهو يَغْنِى غَثْيًا وغَثَيانا. وذَكَر عن العربِ أنها تَقُولُ: جَفَأْتُ القِدْرَ أجْفَؤُها: إذا أخرَجتَ جُفاءَها، وهو الزَّبَدُ الذي يَعْلُوها، وأجْفَأْتُها إِجْفَاءً، لغةٌ. قال: وقالوا: جَفَأتُ الرجلَ جَفْئًا: صرَعتُه.

وقيل: ﴿فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾ بمعنى جَفْئًا؛ لأنه مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: جَفَأً الوادى غُثَاءَه جُفاءً (٢). فخَرَج مخرَجَ الاسمِ وهو مصدرٌ. كذلك تفعَلُ العربُ في مصدرِ كلَّ ما كان مِن فعلِ شيءٍ اجْتَمع بعضُه إلى بعضٍ كالقُماشِ (٣) والدُّقاقِ والحُطامِ والغُثاءِ. تُخْرِجُه على مذهبِ الاسمِ، كما فعَلت ذلك في قولِهم: أعْطَيتُه عطاءً، بمعنى الإعْطاءِ. ولو أُريد مِن القُماشِ المصدرُ على الصحةِ لقيل: قد قَمَشْتُه قَمْشًا.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٨)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: أما الذين استجابوا للَّهِ فآمَنوا به حينَ دعاهم إلى الإيمانِ به


(١) مجاز القرآن ١/ ٣٢٩.
(٢) سقط من: م.
(٣) القماش: ما يكون على وجه الأرض من فُتات الأشياء. الوسيط (ق م ش).