للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والباطلِ. فقرَأ: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا﴾، هذا الزَّبَدُ لا يَنْفَعُ، ﴿أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ﴾ هذا (١) لا يَنْفَعُ أيضًا، قال: وبَقِى الماءُ في الأرضِ فنفَع الناسَ، وبَقى الحُلِيُّ الذي صلَح مِن هذا، فانْتَفَع الناسُ به، ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾. وقال: هذا مثلٌ ضرَبه اللَّهُ للحقِّ والباطلِ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عباسٍ: ﴿أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾. قال: الصغيرُ بصِغَرِه، والكبيرُ بكِبَرِه (٢).

حدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: ثنا طلحةُ بنُ عمرٍو، عن عطاءٍ: ضرَب اللَّهُ مثلًا للحقِّ والباطلِ، فضرَب مَثَلَ الحقَّ كمَثَلِ السيلِ الذي يَمْكُثُ في الأرضِ، وضرَب مَثَلَ الباطلِ كمَثَلِ الزَّبَدِ الذي لا يَنْفَعُ الناسَ (٣).

وعنَى بقولِه: ﴿رَابِيًا﴾: عاليًا مُنْتَفِخًا، مِن قولِهم: ربَا الشئُ يَرْبُو رُبُوًّا فهو رابٍ. ومنه قيل للنَّشَزِ مِن الأرضِ كهيئةِ الأكَمَةِ: رابيةٌ. ومنه قولُ اللَّهِ تعالى: ﴿اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ [الحج: ٥]، [فصلت: ٣٩].

وقيل للنُّحاسِ والرَّصاصِ والحديدِ في هذا الموضعِ: المتاعُ. لأنه يُسْتَمْتَعُ به، وكلُّ ما يَتمتَّعُ به الناسُ فهو متاعٌ؛ كما قال الشاعرُ (٤):

تَمَتَّعْ يا مُشَعَّثُ إنَّ شيئًا … سَبَقْتَ به المماتَ هو المتاعُ


(١) بعده في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "الماء".
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٥٥ إلى المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبى الشيخ.
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٥٥ إلى المصنف وأبى الشيخ.
(٤) البيت للمشعث العامرى، وهو في الأصمعيات ص ١٤٨، ومعجم الشعراء ص ٤٤٧، ومجاز القرآن ١/ ٣٢٨، واللسان (م ت ع).