للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هؤلاء المكذِّبون بآياتِنا تَصْرِيفَنا الليلَ والنهارَ، ومُخالَفَتنا بينَهما؛ بتصْييرِنا هذا سَكَنًا لهم يَسْكُنون فيه ويَهْدَءُون، لراحةِ (١) أبدانِهم مِن تَعَبِ التصرُّفِ والتقلُّبِ نهارًا، وهذا مُضِيئًا يُبْصِرون فيه الأشياءَ ويُعاينونها، فيتَقلَّبون فيه لمعايشِهم، فيتَفَكَّروا في ذلك ويَتَدبَّروا، ويَعْلَموا أن مُصَرِّفَ ذلك كذلك هو الإلهُ الذي لا يُعْجِزُه شيءٌ، ولا يَتَعذَّرُ عليه إماتةُ الأحياءِ، وإحياءُ الأمواتِ بعدَ المماتِ، كما لم يتَعذَّرْ عليه الذَّهابُ بالنهارِ والمَجيءُ بالليلِ، والمَجئُ بالنهارِ والذَّهابُ بالليلِ، مع اختلافِ أحْوالِهما، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: إن في تَصْييرِنا الليلَ سَكنًا والنهارَ مُبْصِرًا، لدَلالةً لقومٍ يُؤمنون باللهِ، على قدرتِه على ما آمنوا به مِن البَعْثِ بعدَ الموتِ، وحجةً لهم على توحيدِ اللهِ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (٨٧)﴾.

اختَلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾. وقد ذكَرْنا اختلافَهم فيما مضى، وبيَّنا الصوابَ مِنَ القولِ في ذلك عندَنا بشَواهدِه (٢)، غيرَ أنَّا نَذْكرُ في هذا الموضعِ بعضَ ما لم يُذْكرْ هناك من الأخبارِ؛ فقال بعضُهم: هو قَرْنٌ يُنْفَخُ فيه.

ذِكْرُ بعضِ مَن لمْ يُذْكرْ فيما مضَى قبلُ من الخبرِ عن ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثني الحارثُ، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا ورقاءُ، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن


(١) في م: "راحة".
(٢) ينظر ما تقدم في ٩/ ٣٣٩، ٣٤٠، ١٥/ ٤١٥ - ٤١٩.