للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّديِّ قولَه: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. قالت اليهودُ: إنما نُحرِّمُ ما حرَّم إسرائيلُ على نفسِه، وإنما حرَّم إسرائيلُ العُرُوقَ، كان يأخُذُه عِرْقُ النَّسَا (١)، كان يأخُذُه بالليلِ، ويترُكُه بالنهارِ، فحلَف لئنِ اللهُ عافاه منه لا يأكلُ عِرْقًا أبدًا. فحرَّمه اللهُ عليهم. ثم قال: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. ما حرَّم هذا عليكم غيرى؛ ببغيِكم، فذلك قولُه: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ (٢) [النساء: ١٦٠].

فتأويلُ الآية على هذا القولِ: كلُّ الطعامِ كان حِلًّا لبنى إسرائيلَ، إلا ما حرَّم إسرائيلُ على نفسِه من قبلِ أن تُنزَّلَ التوراةُ، فإن الله حَرَّم عليهم من ذلك ما كان إسرائيلُ حرَّمه على نفسِه في التوراةِ؛ ببغيِهم على أنفسِهم وظلمِهم لها. قل يا محمدُ: فأتوا أيُّها اليهودُ - إن أَنْكَرتم ذلك - بالتوراةِ، فاتْلُوها إن كنتم صادقين أنَّ الله لم يُحرِّمْ ذلك عليكم في التوراةِ، وأنكم إنما تحرِّمونه لتحريمِ


(١) عرق النسا: وجع يبتدئ من الوَرِك من خَلْف، وينزل إلى الركبة، وربما بلغ الكعب، وكلما طال زمانُه زاد نزولُه، فربما امتدَّ إلى الأصابع بحسب كثرة مادته وقلَّتها، ويَهْزُل معه الرِّجل، والفخِذ، ويصعب الانكباب وتسوية القامة، وربما انخلع بسببه طرَف الفَخِد. ينظر الموجز في الطب لابن النفيس ص ٢٦٧.
(٢) ذكره ابن كثير في تفسيره ٢/ ٦٢ عن المصنف. وينظر تفسير البغوي ٢/ ٦٨، وتفسير القرطبي ٤/ ١٣٤، ١٣٥.
والعروق المقصودة هي العروق التي تكون في اللحم، جمع عِرْق وهو الأجوف الذي يكون فيه الدم، والعصب: غير الأجوف. ينظر تفسير البغوي ٢/ ٦٨، والنهاية ٣/ ٢١٩.